للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- أن الآية جعلت سبب الحياة القصاص وهو القتل على وجه التساوي، أما العبارة العربية فقد جعلت سبب الحياة القتل، ومن القتل ما يكون ظلما، فيكون سببا للفناء لا للحياة، وتصحيح هذه العبارة أن يقال: القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما.

٢- أن الآية جاءت خالية من التكرار اللفظي، فعبرت عن القتل الذي هو سبب الحياة بالقصاص. والعبارة كرر فيها لفظ القتل فمسها بهذا التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية.

٣- أن الآية جعلت القصاص سببا للحياة التي تتوجه إليها الرغبة مباشرة، والعبارة العربية جعلت القتل سببا لنفى القتل الذي تترتب عليه الحياة.

٤- الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي، والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان له.

٥- أن تنكير حياة في الآية يفيد تعظيما، فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كما في قوله- تعالى-: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ولا كذلك المثل. فإن اللام فيه للجنس، ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء.

٦- تعريف الْقِصاصُ بلام الجنس الدالة على حقيقة هذا الحكم المشتملة على الضرب والجرح والقتل- وغير ذلك، والمثل لا يشمل ذلك.

٧- أن الآية مع أفضليتها عن المثل من حيث البلاغة والشمول واللفظ والمعنى أقل حروفا من المثل.

هذه بعض وجوه أفضلية الآية على المثل، وهناك وجوه أخرى ذكرها العلماء في كتبهم «١» .

وفي قوله: يا أُولِي الْأَلْبابِ تنبيه بحرف النداء على التأمل في حكمة القصاص.

والْأَلْبابِ: جمع لب وهو العقل الخالص من شوائب الأوهام، أو العقل الذكي الذي يستبين الحقائق بسرعة وفطنة، ويستخرج لطائف المعاني من مكانها ببراعة وحسن تصرف.

وخص النداء بأولى الألباب مع أن الخطاب بحكمة القصاص شامل لهم ولغيرهم لأنهم الذين يتدبرون عواقب الأمور، ويعرفون قيمة الحياة ويقدرون حكم التشريع قدرها.

وفي هذا النداء تنبيه على أن من ينكرون مصلحة القصاص وأثره النافع في تثبيت دعائم الأمن، يعيشون بين الناس بعقول غير سليمة، ولا يزال الناس يشاهدون في كل عصر ما يثيره القتل في صدور أولياء القتلى من أحقاد طاغية، لولا أن القصاص يخفف من سطوتها لتمادت بهم في تقاطع وسفك دماء دون الوقوف عند حد.


(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢ ص ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>