بينهم، يريهم- سبحانه- أعمالهم السيئة يوم القيامة فتكون حسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم.
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان عاقبة أمرهم فقال: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ.
أى: وما هم بخارجين من تلك النار التي عوقبوا بها بسبب شركهم، بل هم مستقرون فيها استقرارا أبديا، وقد جاءت الجملة اسمية لتأكيد نفى خروجهم من النار، وبيان أنهم مخلدون فيها كما قال- تعالى- في آية أخرى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها.
وهكذا يسوق لنا القرآن ما يدور بين التابعين والمتبوعين يوم القيامة من تنصل وتحسر وتخاصم بتلك الطريقة المؤثرة، حتى لكأنك أمام مشهد مجسم، ترى فيه الصور الشاخصة حاضرة. وذلك لون من ألوان بلاغة القرآن في عرضه للحقائق، حتى تأخذ سبيلها إلى النفوس الكريمة، وتؤتى ثمارها الطيبة في القلوب السليمة.
ثم وجه القرآن نداء عاما إلى البشر أمرهم فيه بأن يتمتعوا بما أحله لهم من طيبات، ونهاهم عن اتباع وساوس الشيطان فقال- تعالى-:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٦٩]
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)
كُلُوا صيغة أمر واردة في معنى الإباحة.
والحلال ما أذن الله في تناوله من مطعومات أو مشروبات.
قال الرازي: وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد، ومنه حل بالمكان إذا نزل، لأنه حل شد الارتحال للنزول، وحل الدين إذا وجب لانحلال العقدة بانقضاء المدة، وحل من إحرامه، لأنه حل عقدة الإحرام.. ثم قال: واعلم أن الحرام قد يكون حراما لخبثه- في ذاته- كالميتة والدم ولحم الخنزير، وقد يكون حراما لوصف عارض كملك الغير إذا لم يأذن في أكله- فحرمته لتعلق حق الغير به- فالحلال هو الخالي عن هذين القيدين» «١» .