ثم أخبر- سبحانه- بأنهم بسبب سوء أعمالهم قد زادهم الله ضلالا وخسرا فقال:
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً.
لأنهم استمروا في نفاقهم وشكهم، ومن سنة الله أن المريض إذا لم يعالج مرضه زاد لا محالة مرضه، إذ المرض ينشئ المرض، والانحراف يبدأ يسيرا ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد.
والمعنى: أن هؤلاء المنافقين قد زادهم الله رجسا على رجسهم، ومرضا على مرضهم، وحسدا على حسدهم، لأنهم عموا وصموا عن الحق، ولأنهم كانوا يحزنون لأى نعمة تنزل بالمؤمنين. كما قال- تعالى-: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها.
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبتهم فقال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.
أَلِيمٌ أى: مؤلم وموجع وجعا شديدا. من ألم- كفرح- فهو ألم، وآلمه يؤلمه إيلاما، أى:
أوجعه إيجاعا شديدا.
والكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع. ولقد كان المنافقون كاذبين في قولهم «آمنا بالله وباليوم الآخر» وهم غير مؤمنين، وجعلت الآية الكريمة العذاب الأليم مرتبا على كذبهم مع أنهم كفرة، والكفر أكبر معصية من الكذب، للإشعار بقبح الكذب، وللتنفير منه بأبلغ وجه، فهؤلاء المنافقون قد جمعوا الخستين، الكفر الذي توعد الله مرتكبه بالعذاب العظيم، والكذب الذي توعد الله مقترفه بالعقاب الأليم.
وعبر بقوله: كانُوا يَكْذِبُونَ لإفادة تجدد الكذب وحدوثه منهم حينا بعد حين، وأن هذه الصفة هي أخص صفاتهم، وأبرز جرائمهم، ثم وصفهم الله- تعالى- بعد ذلك بجملة من الرذائل والقبائح مضافة إلى قبائحهم السابقة فقال: