وخص وقت الأسحار بالذكر لأن النفس تكون فيه أصفى، والقلب فيه أجمع، ولأنه وقت يستلذ فيه الكثيرون النوم فإذا أعرض المؤمن عن تلك اللذة وأقبل على ذكر الله كانت الطاعة أكمل وأقرب إلى القبول.
وبهذا نرى أن الآيات الكريمة قد كشفت عن المشتهيات التي يميل إليها الناس في دنياهم بمقتضى فطرتهم، وأرشدتهم إلى ما هو أسمى وأعلى وأبقى من ذلك وبشرتهم برضوان الله وجناته، متى استقاموا على طريقه، واستجابوا لتعاليمه، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وبعد أن بين- سبحانه- ما أعده للمتقين، وذكر صفاتهم عقب ذلك ببيان أساس التقوى وهو عقيدة التوحيد، وببيان أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله- تعالى- للناس، وأن من يعارض في ذلك معارضته داحضة وسيعاقبه الله بما يستحقه. استمع إلى القرآن وهو يحكى ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول:
قال القرطبي: «لما ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما للآخر: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر