وقد كان السلف الصالح يقفون بين يدي الله في عبادتهم وهم في أكمل زينة، فهذا- مثلا- الإمام الحسن بن على، كان إذا قام إلى الصلاة لبس أحسن ثيابه فقيل له يا ابن بنت رسول الله لم تلبس أجمل ثيابك؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال، فأنا أتجمل لربي، لأنه هو القائل:
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «١» .
وقال الكلبي: «كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم إلا قوتا ولا يأكلون لحما ولا دسما يعظمون بذلك حجهم، فهم المسلمون أن يفعلوا كفعلهم فأنزل- تعالى-: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.
فهذه الآية الكريمة تهدى الناس إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم، إذ أنها أباحت للمسلم أن يتمتع بالطيبات التي أحلها الله، ولكن بدون إسراف أو بطر، ولذا جاء الرد على المتنطعين الذين يضيقون على أنفسهم ما وسعه الله في قوله- تعالى- بعد ذلك:
أى: قل يا محمد لأولئك الذين يطوفون بالبيت عرايا، ويمتنعون عن أكل الطيبات: من أين أتيتم بهذا الحكم الذي عن طريقه حرمتم على أنفسكم بعض ما أحله الله لعباده؟ فالاستفهام لإنكار ما هم عليه بأبلغ وجه.
ثم أمر رسوله أن يرد عليهم بأبلغ رد فقال: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ.
أى: قل أيها الرسول لأمتك: هذه الزينة والطيبات من الرزق ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويشاركهم فيها المشركون أيضا، أما في الآخرة فهي خالصة للمؤمنين ولا يشاركهم فيها أحد ممن أشرك مع الله آلهة أخرى.
وقوله- تعالى-: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ معناه: مثل تفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام لقوم يعلمون ما في تضاعيفها من توجيهات سامية، وآداب عالية.