وقوله- سبحانه- خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ. ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ... مقول لقول محذوف، هذا القول موجه من الله- تعالى- لملائكة العذاب.
وقوله- سبحانه فَاعْتِلُوهُ من العتل وهو الأخذ بمجامع الشيء، وجره بغلظة وقهر.
يقال: عتل فلان فلانا يعتله عتلا، إذا جذبه جذبا شديدا، وسار به إلى ما يكره السير إليه.
أى: يقول الله- تعالى- لملائكة العذاب في هذا اليوم العسير: خذوا هذا الكافر الأثيم، فجروه بغلظة، وسوقوه بشدة إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أى: إلى وسطها.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ على سبيل التنكيل به مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ صبا يذله ويوجعه ويجعل رأسه تغلى من شدة حرارة هذا الماء.
ثم قولوا له بعد ذلك على سبيل التهكم به، والتقريع له: ذُقْ أى: تذوق شدة هذا العذاب فالأمر للإهانة.
إِنَّكَ كنت تزعم في الدنيا، بأنك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ.
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات بقوله: إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ أى: إن هذا العذاب الذي نزل بكم أيها الكافرون، هو ما كنتم بشأنه تجادلون وتخاصمون في الدنيا، فمنكم من كان ينكره، ومنكم من كان يشكك في صحته. فها هو ذا قد أصبح حقيقة واقعة فوق رءوسكم.
وهكذا نجد الآيات الكريمة، قد وضحت أن يوم القيامة حق لا ريب فيه، وأن الكافرين به سيصيبهم عذاب شديد يذلهم ويخزيهم.
وبعد هذا الحديث عن الكافرين وسوء مصيرهم، ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالحديث عن المتقين وحسن عاقبتهم فقال- تعالى-:
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥١ الى ٥٩]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)