للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٠ الى ٩١]

وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)

وجملة: وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ ... قسمية مؤكدة لما قبلها.

أى: والله لقد نصح هارون- عليه السلام- عبدة العجل من قومه، قبل رجوع موسى إليهم، فقال لهم مستعطفا:.. يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ.. أى: يا قوم إن ضلالكم وكفركم إنما هو بسبب عبادتكم العجل، فالضمير في بِهِ يعود إلى العجل.

وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ هو وحده المستحق للعبادة والطاعة.

وجمع- سبحانه- بين لفظي الرب والرحمن، لجذبهم نحو الحق، واستمالتهم نحوه، وللتنبيه على أنهم متى تابوا قبل الله توبتهم، لأنه- سبحانه- هو الرحمن الرحيم.

والفاء في قوله: فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي لترتيب ما بعدها على ما قبلها.

أى: وما دام الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمرى، في الثبات على الحق، وفي نبذ عبادة العجل، وفي المحافظة على ما عاهدكم عليه موسى- عليه السلام-.

ولكن هذه النصيحة الحكيمة من هارون لهم لم تجد أذنا صاغية. بل قابلوا نصيحته لهم بالاستخفاف والتصميم على ما هم فيه من ضلال، إذ قالوا في الرد عليه: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ أى: سنستمر على عبادة العجل، وسنواظب على هذه العبادة مواظبة تامة حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى فنرى ماذا سيكون منه.

فهم لجهالاتهم وانطماس بصائرهم، وسوء أدبهم، يرون أن هارون- عليه السلام- ليس أهلا للنصيحة والطاعة، مع أنه قد خاطبهم بأحكم أسلوب، وألطف منطق.

قال الرازي: واعلم أن هارون- عليه السلام- سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم عن الباطل- أولا- بقوله: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ثم دعاهم إلى معرفة الله- ثانيا- بقوله: وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ثم دعاهم- ثالثا- إلى معرفة النبوة بقوله:

فَاتَّبِعُونِي ثم دعاهم- رابعا- إلى الشرائع بقوله: وَأَطِيعُوا أَمْرِي.

وهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطه الأذى عن الطريق وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة الله- تعالى- هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة: فثبت أن هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>