بحدود الله محارمه ومناهيه خصوصا، لقوله- تعالى-: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وهي حدود لا تقرب» «١» .
ثم ختم- سبحانه- هذه الآية الكريمة بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
أى: مثل ذلك البيان الجامع الذي بين الله به حدوده التي أمركم بالتزامها ونهاكم عن مخالفتها، يبين لكم آياته، أى: أدلته وحججه لكي تصونوا أنفسكم عما يؤدى بكم إلى العقوبة، وتكونوا ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد ختمت الحديث عن الصوم، ببيان مظاهر رفق الله بعباده، ورعايته لمصالحهم ومنافعهم، بأسلوب بليغ جمع بين الترغيب والترهيب، والإباحة والتحريم، وغير ذلك من أنواع الهداية والإرشاد إلى ما يسعد الناس في دينهم ودنياهم.
وبعد أن أنهى القرآن حديثه عن الصيام، وما يتعلق به من أحكام، أردف ذلك بالنهى عن أكل الحرام، لأنه يؤدى إلى عدم قبول العبادات من صيام واعتكاف ودعاء وغير ذلك فقال- تعالى-:
[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]]
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)
والخطاب في الآية الكريمة موجه إلى المؤمنين كافة في كل زمان ومكان.
والمراد بالأكل مطلق الأخذ بغير وجه حق، وعبر عنه بالأكل، لأن الأكل أهم وسائل الحياة، وفيه تصرف الأموال غالبا.
والباطل في اللغة: الزائل الذاهب، يقال: بطل يبطل بطولا وبطلانا. أى ذهب ضياعا وخسرا. وجمع الباطل أباطيل. ويقال: بطل الأجير يبطل بطالة إذا تعطل واتبع اللهو.
والمراد هنا: كل ما لم يبح الشرع أخذه من المال وإن طابت به النفس، كالربا والميسر وثمن الخمر، والرشوة، وشاهد الزور، والسرقة، والغصب، ونحو ذلك مما حرمه الله- تعالى-.
والباء للسببية، والجار والمجرور متعلق بالفعل قبله، وكذلك قوله: بَيْنَكُمْ.
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢٢٣.