للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: لا يأخذ بعضكم مال بعض، ويستولى عليه بغير حق، متذرعا بالأسباب الباطلة، والحيل الزائفة، وما إلى ذلك من وجوه التعدي والظلم.

وفي قوله- تعالى-: أَمْوالَكُمْ- مع أن أكل المال يتناول مال الإنسان ومال غيره- في هذا القول إشعار بوحدة الأمة وتكافلها، وتنبيه إلى أن احترام مال غيرك وحفظه هو عين الاحترام والحفظ لما لك أنت، ففي هذه الإضافة البليغة تعليل للنهى، وبيان لحكمة الحكم، إذ استحلال الإنسان لمال غيره يجرئ هذا الغير على استحلال مال ذلك الإنسان المتعدى، وإذا فشا هذا السلوك في أمة من الأمم أدى بها إلى الضعف والتعادي والتباغض.

فما أحكم هذا التعبير، وما أجمل هذا التصوير.

وقوله: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بيان لصورة أخرى قبيحة من صور أكل أموال الناس بالباطل وقوله: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ معطوف على لا تَأْكُلُوا.

والإدلاء في الأصل: إرسال الدلو في البئر للاستسقاء. ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء ومنه أدلى فلان بحجته، أى: أرسلها ليصل إلى مراده.

والمراد بالإدلاء هنا: الدفع والإلقاء بالأموال إلى الغير من أجل الوصول إلى أمر معين.

والحكام: جمع حاكم، وهو الذي يتصدى للفصل بين الناس في خصوماتهم وقضاياهم.

والفريق: القطعة المعزولة من جملة الشيء، ومنه قيل للقطعة من الغنم تشذ عن معظمها فريق.

والإثم: الفعل الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب. وجمعه آثام.

والمعنى: لا يأخذ بعضكم أموال بعض- أيها المسلمون- ولا يستولى عليها بغير حق، ولا تدلوا بها إلى الحكام، أى ولا تلقوا أمرها والتحاكم فيها إلى القضاة لا من أجل الوصول إلى الحق، وإنما من أجل أن تأخذوا عن طريق التحاكم قطعة من أموال غيركم متلبسين بالإثم الذي يؤدى إلى عقابكم، حال كونكم تعلمون أنكم على باطل، ولا شك أن إتيان الباطل مع العلم بأنه باطل أدعى إلى التوبيخ من إتيانه على جهالة به.

فعلى هذا الوجه يكون المراد بالإدلاء بالأموال إلى الحكام طرحها أمامهم ليقضوا فيها، وليتوسل بعض الخصوم عن طريق هذا القضاء إلى أكل الأموال بالباطل حين عجزوا عن أكلها بالمغالبة.

وهناك وجه آخر تحتمله الآية احتمالا قريبا، وبه قال كثير من العلماء وهو أن المراد بالإدلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>