وجاء التعبير بمدح المعلنين صدقتهم بقوله «فنعما هي» للإشارة إلى أن المسلّم متى دفع صدقته لمستحقيها بنية خالصة، فإنه يكون ممدوحا من الله- تعالى- وممدوحا من الناس الذين شاهدوا عمله الصالح.
هذه صدقة الجهر إذا خلصت من الرياء أما صدقة السر فقد أثنى الله على فاعلها بقوله:
وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أى: وإن تحفوا الصدقات وتعطوها للفقراء سرا، دون أن يراكم أحد من الناس، فعملكم هذا خير لكم عند الله لأنكم بإخفائكم للصدقة ودفعها للفقير سرا تكونون قد ابتعدتم عن الرياء، وسترتم حال هذا الفقير المحتاج.
وقوله: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ أى أنه- سبحانه- يستر السيئات التي يرتكبها الشخص، ويخفيها ولا يظهرها عند إثابته إياه على فعله الحسن لأن ما فعله من حسنات مسح ما فعله من سيئات فهو كقوله- تعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ومِنْ في قوله: مِنْ سَيِّئاتِكُمْ بيانية بمعنى أن الصدقات تكفر السيئات لأن المسلّم إذا بذل ماله في سبيل الله بصدق وإخلاص، كان أهلا لمثوبة الله ومغفرته، ويجوز أن تكون للتبعيض أى يكفر عنكم بعض سيئاتكم بمقدار ما قدمتم من صدقات لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئات.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى أن الله- تعالى- عليم علما دقيقا بكل ما تعملونه أيها المؤمنون، فعليكم أن تخلصوا له أعمالكم، وأن تراقبوه في سركم وجهركم، وأن تسارعوا في عمل الخيرات التي ترفع درجاتكم عند خالقكم.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد مدحت صدقتي الجهر والسر متى كان المتصدق متبعا آداب الإسلام وتوجيهاته، ومبتعدا عن كل ما يبطل الصدقات، ويحبط الأعمال.
ثم ختمت السورة حديثها عن النفقة والمنفقين ببيان حسن عاقبة من يبذل ماله في سبيل الله، وبيان صفات بعض المستحقين للصدقة، وببيان أن هداية البشر إنما هي بيد الله- تعالى- وحده، فقال- تعالى-: