و «لعل» في قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ إما للتعليل، فيكون المعنى: خذوا الكتاب بجد وعزم، واعملوا بما فيه بصدق وطاعة، لتتقوا الهلاك في عاجلتكم وآجلتكم، وإما للترجى، وهو منصرف إلى المخاطبين، فيكون المعنى: خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه ولا تنسوه، وأنتم ترجون أن تكونوا من طائفة المتقين.
وقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ بيان لنقضهم وإعراضهم عن العمل بالميثاق الذي أخذ عليهم، ونبذوه خلف ظهورهم.
والمشار إليه بقوله تعالى: ذلِكَ أخذ الميثاق عليهم، وقبول ما أوتوه من الكتاب، والمعنى: ثم أعرضتم وانصرفتم عن طاعتي بعد أخذ الميثاق عليكم، ومشاهدتكم للآيات التي تستكين لها القلوب لأن قلوبكم كالحجارة أو أشد قسوة.
وقوله تعالى: فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ تصريح بما حباهم به- سبحانه- من رأفة بهم، وقبول لتوبتهم، وعفو عن خطيئاتهم، فكأنه- سبحانه- يقول لهم: إنكم بإعراضكم عن طاعتي، ونقضكم لعهدي، وإهمالكم العمل بكتابي، وعدم تأثركم بآياتى ونذرى، قد استحققتم غضبى وعذابي، ولكن حال دون حلولهما بكم. فضلي الذي تدارككم ورحمتي التي وسعتكم، ولطفي وإمهالى لكم، ولولا ذلك لكنتم من الخاسرين في دنياكم وآخرتكم، بسبب ما اجترحتم من نقض ميثاقكم وبذلك تكون الآيتان قد ذكرتا بنى إسرائيل المعاصرين للعهد النبوي بما كان من أسلافهم من جحود النعمة، ونقض للعهد، وفي هذا التذكير تحذير لهم من السير على طريقتهم، ودعوة لهم إلى الدخول في الإسلام واتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم.
ثم ذكرهم- سبحانه- بسوء عاقبة الذين اعتدوا منهم في السبت، وحذرهم من أن ينهجوا نهجهم فقال- تعالى-: