للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن جرير وابن أبى حاتم عن السدى في قوله: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً قال: كان رجل من النصارى بالمدينة، إذا سمع المنادى ينادى: أشهد أن محمدا رسول الله. قال: حرق الكاذب. فدخل خادمه ليلا من الليالى بنار، وهو نائم وأهله نيام، فسقطت شرارة فأحرقت البيت. فاحترق هو وأهله» «١» .

وقيل: كان المنافقون يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيرا للناس منها.

أى: وإذا ناديتم- أيها المؤمنون- بعضكم بعضا إلى الصلاة عن طريق الأذان، اتخذ هؤلاء الضالون الصلاة والمناداة بها موضعا لسخريتهم وعبثهم وتهكمهم.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ يعود إلى ما كان منهم من استهزاء وسخرية.

أى: ذلك الذي صدر عنهم من استهزاء وعبث سببه أنهم قوم سفهاء جهلاء، لا يدركون الأمور على وجهها الصحيح، ولا يستجيبون للحق الذي ظهر لهم بسبب عنادهم وأحقادهم.

قال ابن كثير: هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دنيوى وأخروى، يتخذونها هزوا يستهزئون بها، ولعبا يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد، وفكرهم البارد، كما قال القائل.

وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم «٢»

وبعد أن حذر- سبحانه- المؤمنين تحذيرا شديدا من موالاة أعدائه. عقب ذلك بتوبيخ أهل الكتاب على عنادهم وحسدهم، ووصفهم بجملة من الصفات القبيحة التي ينأى عنها العقلاء وأصحاب المروءة فقال- تعالى-:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٩ الى ٦٣]

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)


(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٩١.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>