والكوثر: فوعل من الكثرة، مثل النّوفل من النفل، ومعناه: الشيء البالغ في الكثرة حد الإفراط، والعرب تسمى كل شيء كثر عدده، وعظم شأنه: كوثرا، وقد قيل لأعرابية بعد رجوع ابنها من سفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر. أى: بشيء كثير.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم على ستة عشر قولا: الأول: أنه نهر في الجنة، رواه البخاري عن أنس، ورواه الترمذي- أيضا- عن ابن عمر ... الثاني: أنه حوض للنبي صلى الله عليه وسلم في الموقف ...
الثالث: أنه النبوة والكتاب ... الرابع: أنه القرآن ... الخامس: الإسلام.
ثم قال- رحمه الله- قلت: أصح هذه الأقوال الأول والثاني، لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في الكوثر ... وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه صلى الله عليه وسلم زيادة على حوضه ... » «١» .
وافتتح- سبحانه- الكلام بحرف التأكيد، للاهتمام بالخبر، وللإشعار بأن المعطى شيء عظيم ... أى: إنا أعطيناك بفضلنا وإحساننا- أيها الرسول الكريم- الكوثر، أى: الخير الكثير الذي من جملته هذا النهر العظيم، والحوض المطهر ... فأبشر بذلك أنت وأمتك، ولا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤك في شأنك.
والفاء في قوله- تعالى-: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمراد بالصلاة: المداومة عليها.
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٢١٨، وابن كثير ج ٧ ص ٥١٩.