للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مصير كل أمة بدلت نعمة الله كفرا لأن الميزان عند الله للتقوى والعمل للصالح، وليس للجنس أو اللون أو النسب.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: فإن قيل: إن تفضيلهم على العالمين يقتضى تفضيلهم على أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، وهذا باطل. فكيف الجواب؟ قلنا: الجواب من وجوه أقربها إلى الصواب أن المراد: فضلتكم على عالمي زمانكم وذلك لأن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك وهو الآن ليس بموجود لم يكن من جملة العالمين حال عدمه، وأمة محمد صلّى الله عليه وسلم ما كانت موجودة في ذلك الوقت، فلا يلزم من كون بنى إسرائيل أفضل العالمين في ذلك الوقت. أنهم أفضل من الأمة المحمدية.

وهذا هو الجواب أيضا عن قوله- تعالى-: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ. وعن قوله تعالى: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ «١» .

وبهذا يتعين بطلان دعوى اليهود أنهم شعب الله المختار. استنادا إلى هذه الآية الكريمة وأمثالها، لأنها دعوى لا تؤيدها النصوص، ولا يشهد لها العقل السليم. ثم قال تعالى:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٤٨]]

وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)

بعد أن ذكرهم- سبحانه- في الآية السابقة بنعمة عظمى من نعمه حذرهم في هذه الآية الكريمة من التقصير في العمل الصالح، وذلك لأن وصفهم بالتفضيل على عالمي زمانهم قد يحملهم على الغرور، ويجعلهم يتوهمون أنهم مغفور لهم لو أذنبوا. فجاءت هذه الآية الكريمة لتقتلع من أذهانهم تلك الأوهام بأحكم عبارة وأجمع بيان.

والمراد باتقاء اليوم، وهو يوم القيامة، الحذر مما يحدث فيه من أهوال وعذاب، والحذر منه يكون بالتزام حدود الله- تعالى- وعدم تعديها، فهو من إطلاق الزمان على ما يقع فيه كما تقول «مكان مخيف» وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفوس. أى:

لا تقضى فيه نفس كائنة من كانت عن نفس أخرى شيئا من الحقوق.

ووصف اليوم بهذا الوصف، ولم يقل «يوم القيامة» مثلا، للإشعار بأن التصرف في ذلك اليوم لله وحده. فليس فيه ما اعتاد الناس في هذه الدنيا من دفاع بعضهم عن بعض.


(١) تفسير الرازي ج ١ ص ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>