حاضر ناظر لهم، بخلاف المؤمنين، فالحجاب: مجاز عن عدم الرؤية، لأن المحجوب لا يرى ما حجب، أو الحجب المنع، والكلام على حذف مضاف. أى: عن رؤية ربهم لممنوعون فلا يرونه- سبحانه-.
واحتج مالك- رحمه الله- بهذه الآية، على رؤية المؤمنين له- تعالى-، من جهة دليل الخطاب، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص.
وقال الشافعى- رحمه الله-: لما حجب- سبحانه- قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا.. «١» .
وقوله- سبحانه-: ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ بيان للون آخر من سوء مصيرهم.
أى: أن هؤلاء المكذبين سيكونون يوم القيامة محجوبين عن رؤية الله- تعالى- لسخطه عليهم، وممنوعين من رحمته، ثم إنهم بعد ذلك لداخلون في أشد طبقات النار حرا.. ثم يقال لهم بواسطة خزنة جهنم على سبيل التقريع والتأنيب، هذا هو العذاب الذي كنتم به تكذبون في الدنيا، وتقولون لمن يحذركم منه: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أشد ألوان الإهانة لأنها أخبرت أن هؤلاء المكذبين: محجوبون عن ربهم، وأنهم مقاسون حر جهنم، وأنهم لا يقابلون من خزنتها إلا بالتيئيس من الخروج منها، وبالتأنيب والتقريع.
وكعادة القرآن الكريم في قرن الترهيب بالترغيب، والعكس، ساقت السورة الكريمة بعد ذلك، ما أعده- سبحانه- للأبرار من خير وفير، ومن نعيم مقيم، فقال- تعالى-:
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ١٨ الى ٢٨]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧)
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٧٢.