وقوله: كَلَّا هنا، تكرير للردع والزجر السابق في قوله- تعالى- قبل ذلك:
إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار في عليين.
ولفظ «عليين» جمع عليّ- بكسر العين وتشديد اللام المكسورة- من العلو. ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد، وأنه اسم للديوان الذي تكتب فيه أعمال الأبرار.
قال صاحب الكشاف: وكتاب الأبرار: ما كتب من أعمالهم. وعليون: علم لديوان الخير، الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين. منقول من جمع «عليّ» بزنة فعّيل- بكسر الفاء والعين المشددة- من العلو، كسجّين من السجن. سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالى الدرجات في الجنة، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة.. تكريما له وتعظيما.. «١» .
أى: حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار، لمثبت في ديوان الخير، الكائن في أعلى مكان وأشرفه.
وقوله- سبحانه-: وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ تفخيم لشأن هذا الديوان، وتنويه عظيم بشرفه.
وقوله: كِتابٌ مَرْقُومٌ تفسير لما كتب لهؤلاء الأبرار من خير وبركة، أى: كتاب الأبرار كتاب واضح بين، يقرؤه أصحابه بسهولة ويسر، فتنشرح صدورهم، وتقر عيونهم.
وقوله- تعالى- يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ صفة أخرى جيء بها على سبيل المدح لهذا المكتوب من الأعمال الصالحة لهؤلاء الأخيار.
أى: كتاب الأبرار، وصحائف أعمالهم، في أسمى مكان وأعلاه، وهو كتاب واضح بين، يقرءونه فيظهر البشر والسرور على وجوههم، وهو فوق ذلك يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ أى:
يطلع عليه الملائكة المقربون من الله- تعالى-، ليكون هذا الاطلاع شهادة لهؤلاء الأبرار، بأنهم محل رضا الله- تعالى- وتكريمه وثوابه.
ثم بين- سبحانه- حالهم في الجنة، بعد بيان ما اشتمل عليه كتابهم من خير وبر فقال- تعالى-: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ أى: لفي نعيم دائم، لا يحول ولا يزول.
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ والأرائك: جمع أريكة- بزنة سفينة- وهي اسم للسرير
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٢٢.