للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو المروي عن جمع من الصحابة ومن التابعين، ولأن الأصل في العطف أنه يقتضى المغايرة.

قال ابن العربي: أسد هذه الأقوال قول ابن عباس: نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر، والمراد بالسكر الخمر، فتكون هذه الآية منسوخة لأنها مكية باتفاق العلماء، وتحريم الخمر مدني «١» .

وقال صاحب تفسير آيات الأحكام بعد أن ذكر أدلة الأحناف ورد عليها: والحاصل أننا نرى أن الآية ليس فيها ما يشهد بالحل، إذ الكلام في الامتنان بخلق الأشياء لمنافع الإنسان، ولم تنحصر المنافع في حل التناول، فقد قال الله- تعالى-: في شأن الخمر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ.. فهل انحصرت منافع السكر- على فرض أنه النبيذ- في الشرب؟ «٢» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أى: في ذلك الذي ذكرناه لكم من إخراج اللبن من بين فرث ودم، ومن اتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، «لآية» باهرة، ودلالة واضحة، على قدرة الله- تعالى- ووحدانيته، «لقوم يعقلون» هذه التوجيهات الحكيمة، فيدركون أن من يفعل كل ذلك وغيره، هو المستحق للعبادة والطاعة «ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين» .

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل- أيضا- على وحدانيته وقدرته، عن طريق إخراج العسل الذي فيه شفاء للناس بواسطة حشرة ضعيفة وهي النحلة، فقال- تعالى-:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]

وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)


(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٢٨.
(٢) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٣ ص ٥٢ لفضيلة الشيخ محمد على السائس- رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>