ومن هذا نرى أن اليهود قد أنعم الله عليهم بالتوراة، وجعلها نورا وهدى لهم، ولكنهم تركوها، ولم يعملوا بما فيها، واستحبوا العمى على الهدى، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ.
سادسا:(نعمة إرشادهم إلى ما به يتخلصون من ذنوبهم) :
ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة جليلة، وهي إرشادهم إلى ما به يتخلصون من ذنوبهم، وإخبارهم بقبول توبتهم، فقال تعالى:
والمعنى: واذكروا يا بنى إسرائيل- لتنتفعوا وتعتبروا- وقت أن قال موسى لقومه الذين عبدوا العجل حين كان يناجى ربه بعيدا عنهم: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم وهبطتم بها إلى الحضيض بعبادتكم غير الله- تعالى- فإذا أردتم التكفير عن خطاياكم. فتوبوا إلى ربكم توبة صادقة نصوحا، واقتلوا أنفسكم لتنالوا عفو ربكم، فذلكم خير لكم عند خالقكم من الإقامة على المعصية، ففعلتم ذلك فقبل الله توبتكم لأنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده على كثرة ما يصدر عنهم من ذنوب لأنه هو الواسع الرحمة لمن ينيب إليه ويستقيم على صراطه الواضح.
وفي نداء موسى- عليه السلام- لهم بقوله:«يا قوم» تلطف في الخطاب ليجذب قلوبهم إلى سماعه، وليحملهم على تلقى أوامره بحسن الطاعة، وليشعرهم بأنهم قومه فهو منهم وهم منه، والشأن فيمن كان كذلك ألا يكذب عليهم أو يخدعهم، وإنما يريد لهم الخير.
والبارئ هو الخالق للمخلوقات بدون تفاوت أو اضطراب، فهو أخص من الخالق، ولذا قال تعالى: ... الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ.
وفي هذا التعبير الحكيم، تحريض لهم على التوبة والاستجابة للبارئ الذي أحسن كل شيء خلقه، وفيه أيضا تقريع لهم على غباوتهم، حيث تركوا عبادة بديع السموات والأرض، وعبدوا عجلا ضرب به المثل في الغباوة فقالوا «أبلد من ثور» فكأنه- سبحانه- يقول لهم: لقد اتخذتم هذا العجل إلها لتشابهكم معه في البلادة وضيق الأفق.