للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن من كان ضاره كفره، فقد أحاطت به كل مضرة» «١» .

ثم بين- سبحانه- الفريق الثاني فقال: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أى:

ومن عمل في دنياه عملا صالحا، فإنه بسبب هذا العمل يكون قد مهد وسوى لنفسه مكانا مريحا يستقر فيه في الآخرة.

والمهاد: الفراش. ومنه مهاد الصبى أى فراشه. ويقال مهدت الفراش مهدا، أى:

بسطته ووطأته. ومهدت الأمور. أى: سويتها وأصلحتها.

فالجملة الكريمة تصوير بديع للثمار الطيبة التي تترتب على العمل الصالح في الدنيا، حتى لكأن من يعمل هذا العمل، يعد لنفسه في الآخرة مكانا معبدا، ومضجعا هنيئا، ينزل فيه وهو في أعلى درجات الراحة والنعيم:

قال ابن جرير: قوله- تعالى- فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أى: فلأنفسهم يستعدون، ويسوون المضجع، ليسلموا من عقاب ربهم، وينجوا من عذابه، كما قال الشاعر:

أمهد لنفسك، حان السقم والتلف ... ولا تضيعن نفسا مالها خلف «٢»

ثم بين- سبحانه- ما اقتضته حكمته وعدالته فقال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.

أى: فعل ما فعل- سبحانه- من تقسيم الناس إلى فريقين، ليجزي الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات، الجزاء الحسن الذي يستحقونه، وليعطيهم العطاء الجزيل من فضله، لأنه بحبهم، أما الكافرون، فإنه- سبحانه- لا يحبهم ولا يرضى عنهم.

ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن آيات الله- تعالى- الدالة على قدرته، وعن مظاهر فضله على الناس ورحمته بهم، وعن الموقف الجحودى الذي وقفه بعضهم من هذه النعم.. قال- تعالى-:

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٦ الى ٥٣]

وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠)

وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٨٣.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٢١ ص ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>