للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المضي في تبليغ دعوته.

أى: سر في طريقك- أيها الرسول الكريم- غير مبال بما يصدر عنهم من مضايقات لك، والله- تعالى- حافظ لأحوالك وأحوالهم، وسيجازيهم بالجزاء الذي يتناسب مع جرائمهم وكفرهم.

والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تعبر أكمل تعبير عن الفترة الحرجة التي نزلت فيها هذه السورة الكريمة، فقد سبق أن قلنا عند التعريف بها، إنها نزلت في الفترة التي أعقبت وفاة النصيرين الكبيرين للرسول صلى الله عليه وسلم وهما أبو طالب وخديجة- رضى الله عنها- وكانت هذه الفترة من أشق الفترات على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تكاثر فيها إيذاء المشركين له ولأصحابه..

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة تحث النبي صلى الله عليه وسلم على الثبات والصبر، وعلى تبليغ ما يوحى اليه، مع عدم المبالاة بما يضعه المشركون في طرقه من عقبات..

هذا، وقد سبق أن بينا عند التعريف بهذه السورة- أيضا- أن من العلماء من يرى أن هذه الآية مدنية، ولعلك معى- أيها القارئ الكريم- في أنه لا يوجد أى دليل نقلي أو عقلي يؤيد ذلك، بل الذي تؤيده الأدلة ويؤيده سبب النزول أن الآية مكية كبقية السورة.

وهناك آيات أخرى مكية تشبه هذه الآية في أسلوبها وموضوعها، ومن هذه الآيات قوله- تعالى-: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ... «١» .

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك زعما آخر من مزاعمهم الكثيرة، وهو دعواهم أن القرآن مفترى، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من أمثال هذا القرآن المفترى في زعمهم، فقال- تعالى-:

[سورة هود (١١) : الآيات ١٣ الى ١٤]

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)


(١) سورة الفرقان الآيتان ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>