للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ بيان لسوء مصيرهم في الآخرة بعد بيان عذابهم في الدنيا.

وزهوق النفس: خروجها من الجسد بصعوبة ومشقة. يقال: زهقت نفسه تزهق إذا خرجت، وزهق الشيء إذا هلك واضمحل، ومنه قوله- تعالى-: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ....

والمعنى: لا تعجبك- أيها العاقل- أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا، ويريد كذلك أن تخرج أرواحهم من أجسادهم وهم كافرون، فيعذبهم بسبب كفرهم عذابا أليما.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد توعدت المنافقين بسوء المصير في الآخرة ولن يحسد إنسان مصيره كهذا المصير.

قال الإمام الرازي: ومن تأمل في هذه الآيات عرف أنها مرتبة على أحسن الوجوه، فإنه- سبحانه- لما بين قبائح أفعالهم، وفضائح أعمالهم، بين ما لهم في الآخرة من العذاب الشديد، وما لهم في الدنيا من وجوه المحنة والبلية، ثم بين بعد ذلك أن ما يفعلونه من أعمال البر لا ينتفعون به يوم القيامة ألبتة ثم بين في هذه الآية أن ما يظنونه من منافع الدنيا، فهو في حقيقته سبب لعذابهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم، وعند ذلك يظهر أن النفاق جالب لجميع الآفات في الدنيا والدين، ومبطل لجميع الخيرات في الدين والدنيا ... » «١» .

وبعد أن بينت السورة الكريمة أن هؤلاء المنافقين قد خسروا الدنيا والآخرة، أتبعت ذلك بالحديث عن رذائلهم وقبائحهم التي على رأسها الجبن والكذب فقال- تعالى-:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)

أى: أن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم- أيها المؤمنون- «إنهم لمنكم» أى: في الدين والملة، والحق أنهم ما هم منكم، لأنهم يظهرون الإسلام ويخفون الكفر، فهم كما وصفهم- سبحانه- في قوله: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>