للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإعجاب بالشيء معناه: أن تسر به سرورا يجعلك راضيا به ومتمنيا له، والفاء في قوله:

فَلا تُعْجِبْكَ للإفصاح.

أى إذا كان هذا هو شأن المنافقين، فلا تستحسن. أيها العاقل. ما أعطيناهم إياه من أموال وأولاد، فإنه نوع من الاستدراج.

وقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا تعليل للنهى عن الإعجاب بما أعطاهم الله من أموال وأولاد.

أى: إنما يريد الله بعطائهم تلك الأموال والأولاد أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا، وقد بسط الإمام الرازي مظاهر تعذيب المنافقين في الدنيا بالأموال والأولاد فقال ما ملخصه:

المنافقون يعذبهم الله بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا من وجوه:

أحدها: أن الرجل إذا آمن بالله واليوم الآخر، علم أنه خلق للآخرة لا للدنيا، وبهذا العلم يفتر حبه للدنيا، وأما المنافق فإنه لما اعتقد أنه لا سعادة له إلا في هذه الخيرات العاجلة، عظمت رغبته فيها، واشتد حبه لها، وكانت الآلام الحاصلة بسبب فواتها أكثر في حقه.. فهذا النوع من العذاب حاصل لهم في الدنيا بسبب الأموال والأولاد.

وثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكلفهم إنفاق تلك الأموال في وجوه الخيرات، ويكلفهم.

إرسال أولادهم إلى الجهاد والغزو، وذلك يوجب تعريض أولادهم للقتل، وهم كانوا يعتقدون أن محمدا ليس صادقا في كونه رسول، وكانوا يعتقدون أن إنفاق تلك الأموال تضييع لها من غير فائدة وأن تعريض أولادهم للقتل التزام لهذا المكروه الشديد من غير فائدة، ولا شك أن هذا كله تعذيب لهم.

وثالثا: أنهم كانوا يبغضون محمدا صلى الله عليه وسلم بقلوبهم، ثم إنهم كانوا يحتاجون إلى بذل أموالهم وأولادهم في خدمته. ولا شك أن هذه الحالة شاقة شديدة عليهم.

ورابعا: أنهم كانوا خائفين من أن يفتضحوا ويظهر نفاقهم وكفرهم ظهورا تاما، فيصيرون أمثال سائر أهل الحرب من الكفار. وحينئذ يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالقتل وسبى الأولاد.. وكل ذلك يوجب ألمهم وقلقهم.

وخامسا: أن كثيرا من المنافقين كان لهم أولاد أتقياء كحنظلة بن أبى عامر وعبد الله بن عبد الله بن أبى.. وكانوا لا يرتضون طريقة آبائهم في النفاق، ويقدحون فيهم.

والابن إذا صار هكذا عظم تأذى الأب به، واستيحاشه منه، فصار حصول تلك الأولاد سببا لعذابهم.. «١» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>