ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله ورحمته على هذه الأمة، حيث جعل كتابه ميسرا في حفظه وفهمه، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
أى: والله لقد سهلنا القرآن لِلذِّكْرِ أى: للتذكر والحفظ، بأن أنزلناه فصيحا في ألفاظه، بليغا في تراكيبه، واضحا في معانيه، سهل الحفظ لمن أراد أن يحفظه.. فهل من معتبر ومتعظ، بقصصه، ووعده، ووعيده، وأمره، ونهبه؟.
وقد وردت هذه الآية في أعقاب قصة نوح وهود وصالح ولوط- عليهم السلام-، لتأكيد مضمون ما سبق في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ. حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ.
وللتنبيه والإشعار بأن كل قصة من تلك القصص جديرة بإيجاب الاتعاظ، وكافية في الاعتبار والازدجار لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
والمقصود بالآية الكريمة التحضيض على حفظ القرآن الكريم والاعتبار بمواعظه، والعمل بما فيه من تشريعات حكيمة، وآداب قويمة، وهدايات سامية..
ثم انتقلت إلى الحديث عن قصة قبيلة عاد مع نبيهم هود- عليه السلام- فذكرت ما حل بهم من عقاب بسبب كفرهم وطغيانهم، فقال- تعالى-:
والمراد بعاد، تلك القبيلة التي ينتهى نسبها إلى جدهم عاد، وكانت مساكنهم بالأحقاف في جنوب الجزيرة العربية. وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله- تعالى- إليهم نبيهم هودا- عليه السلام- لكي يأمرهم بعبادة الله- تعالى- وحده، وينهاهم عن عبادة غيره..
وقد جاء الحديث عنهم بصورة أكثر تفصيلا، في سور: الأعراف، وهود، والشعراء، والأحقاف ... ولم تعطف قصتهم هنا على قصة نوح التي قبلها، للإشعار بأنها قصة مستقلة جديرة بأن يعتبر بها المعتبرون، ويتعظ بها المتعظون..