للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العلماء- والنسخ من مظان الفتنة والشبهة وتسويل الشيطان، فاقتضى الأمر بسط الحديث في مسألة القبلة ليزدادوا إيمانا على إيمانهم.

ولأن هذا التحويل- أيضا- جاء على خلاف رغبة اليهود، فإنهم كانوا يحرصون على استمرار المسلمين في التوجه إلى بيت المقدس، لأنه قبلتهم، فلما حصل التحويل إلى المسجد الحرام، اتخذوا منه مادة للطعن في صحة النبوة ليفتنوا ضعفاء العقيدة، وسلكوا لبلبلة أفكار المسلمين كل وسيلة.

فزعموا أن نسخ الحكم بعد شرعه مناف للحكمة، ومباين للعقول، فلا يقع في الشرائع الإلهية، وساقوا من الشبهات والمفتريات ما بينا بعضه عند تفسيرنا للآيات الكريمة.

ويبدو أن شغبهم هذا، كان له آثاره عند ذوى النفوس المريضة وضعاف الإيمان فلهذا كله أخذت مسألة القبلة شأنا غير شأن بقية الأحكام الفرعية، فكان مقتضى الحال أن يكون الحديث عنها مستفيضا، ومدعما بالأدلة والبراهين، وهذا ما راعاه القرآن الكريم عند حديثه عن مسألة القبلة، فلقد قرر وكرر، ووعد وتوعد، ووضح وبين، ليدفع كل شبهة، وليجتث كل حجة، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم، وينهض بضعفاء الإيمان إلى منزلة الراسخين في العلم، ويهوى باليهود ومن حذا حذوهم في مكان سحيق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وبعد أن أنهى القرآن حديثه عن نعمة تحويل القبلة أتبعه بالحديث عن نعمة جليلة أخرى وهي نعمة إرسال الرسول فيهم لهدايتهم فقال- تعالى-:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥١ الى ١٥٢]

كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)

وقوله- تعالى-: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ.. إلخ متصل بما قبله، والكاف للتشبيه وهي في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف وما مصدرية، والتقدير: لقد حولت القبلة إلى شطر المسجد الحرام لأتم نعمتي عليكم إتماما مثل إتمام نعمتي عليكم بإرسال

<<  <  ج: ص:  >  >>