للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام ابن كثير: «فمتى كان العمل خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فعمل الرهبان ومن شابههم وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله فإنه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعا للرسول صلّى الله عليه وسلّم المبعوث فيهم وإلى الناس كافة، وفي أمثالهم قال الله- تعالى- وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله، فهو أيضا مردود على فاعله، وهذا حال المرائين والمنافقين ولهذا قال تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «١» .

وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد أبطلتا دعوى اليهود أن الجنة لهم دون غيرهم، وأثبتتا أن مزاعمهم هذه ما هي إلا من قبيل الأمانى والأوهام وكذبتهم في أن يكون عندهم أى برهان أو دليل على ما يدعون ثم أصدرتا حكما عاما وهو أن الجنة ليست خاصة لطائفة دون أخرى، وإنما هي لكل من أسلّم وجهه لله وهو محسن.

ثم بين القرآن بعد ذلك أن أهل الكتاب قد دأبوا على تضليل بعضهم البعض، وأن الخلاف بينهم قد أدى إلى التنازع والتخاصم فقال:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١١٣]]

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)

فالآية الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى.. إلخ، لزيادة بيان طبيعة أهل الكتاب، المعوجة، وأن رمى المخالف لهم بأنه ضال شنشنة فيهم.

والشيء: يطلق على الموجود، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، وقد ينفى مبالغة في عدم الاعتداد به واليهود كفرت عيسى- عليه السلام- وما زالوا يزعمون أن المسيح المبشر به في التوراة لم يأت، وسيأتى بعد، فهم يعتقدون أن النصارى باتباعهم له ليسوا على أمر حقيقى من


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>