للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرع: ملازمة طاعة مخصوصة في وقت مخصوص على شرط مخصوص في موضع مخصوص.

وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب وهو قربة من القرب ونافلة من النوافل عمل بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وأزواجه، ويلزمه إن ألزمه نفسه، ويكره الدخول فيه لمن يخاف عليه العجز عن الوفاء بحقوقه.

وأجمع العلماء على أنه لا يكون إلا في المسجد واختلفوا في المراد بالمساجد في قوله- تعالى-:

فِي الْمَساجِدِ فذهب قوم إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وهو ما بناه نبي كالمسجد الحرام والمسجد النبوي وبيت المقدس، وقال آخرون لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة، وقال آخرون الاعتكاف في كل مسجد جائز «١» .

والمشار إليه في قوله- تعالى-: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها الأحكام التي سبق تقريرها من إيجاب وتحريم وإباحة.

والحدود جمع حد، وهو في اللغة الحاجز بين الشيئين المتقابلين ليمنع من دخول أحدهما في الآخر. ومنه سمى الحديد حديدا لأنه يمنع وصول السلاح إلى البدن.

وسميت الأحكام التي شرعها الله حدودا لأنها تحجز بين الحق والباطل.

أى: تلك الأحكام التي شرعناها لكم من إيجاب الصوم، وتحريم الأكل والشرب والجماع في نهاره، وإباحة ذلك في ليله، هي حدود الله التي لا يحل لكم مخالفتها أو مجاوزتها.

وعبر- سبحانه- عن النهى عن مخالفة تلك الأحكام بقوله: فَلا تَقْرَبُوها مبالغة في التحذير من مخالفتها، لأن النهى عن القرب من الشيء نهى عن إتيانه بالأولى والآية ترشد بقولها فَلا تَقْرَبُوها إلى اجتناب ما فيه شبهة كما ترشد إلى ترك الأشياء التي تقضى في غالب أمرها إلى الوقوع في حرام.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قيل فَلا تَقْرَبُوها مع قوله: فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ قلت: من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق فنهى أن يتعداه. لأن من تعداه وقع في حيز الباطل، ثم بولغ في ذلك فنهى أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيزى الحق والباطل لئلا يدانى الباطل، وأن يكون في الواسطة متباعدا عن الطرف فضلا عن أن يتخطاه كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» فالرتع حول الحمى وقربان حيزه واحد. ويجوز أن يريد


(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ٣٣٢ بتصرف وتلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>