للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو تطاول على ذات الله، وكذب عليه، ووصف له بما لا يليق به- سبحانه- وبهذا كله يكونون قد عتوا عتوا كبيرا، وضلوا ضلالا بعيدا.

وأضاف- سبحانه- القتل إلى المعاصرين للعهد النبوي من اليهود، مع أنه حدث من أسلافهم لأن هؤلاء المعاصرين كانوا راضين بفعل أسلافهم ولم ينكروه وإن لم يكونوا قد باشروه، ومن رضى بجريمة قد فعلها غيره فكأنما قد فعلها هو.

وفي الحديث الشريف: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها.

ووصف- سبحانه- قتلهم للأنبياء بأنه بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن هذا الإجرام لا يكون بحق أبدا، للإشارة إلى شناعة أفعالهم، وضخامة شرورهم، وأنهم لخبث نفوسهم، وقسوة قلوبهم لا يبالون أكان فعلهم في موضعهم أم في غير موضعه.

ثم صرح- سبحانه بالعقوبة بعد أن كنى عنها فقال: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أى:

سنجازيهم بما فعلوا، ونلقى بهم في جهنم، مخاطبين إياهم بقولنا: ذوقوا عذاب تلك النار المحرقة التي كنتم بها تكذبون.

ففي الآية الكريمة إيجاز بالحذف دل عليه سياق الكلام.

والذوق حقيقته إدراك المطعومات، والأصل فيه أن يكون في أمر مرغوب في ذوقه وطلبه، والتعبير به هنا عن ذوق العذاب هو لون من التهكم عليهم، والاستهزاء بهم كما في قوله- تعالى- فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

ثم صرح- سبحانه- بأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم بوقوعهم في العذاب المحرق فقال: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

أى: ذلك العذاب الشديد الذي حاق بكم- أيها اليهود- بسبب ما قدمته أيديكم من عمل سىء، وما نطقت به أفواهكم من قول منكر، فقد اقتضت حكمته وعدالته ألا يعذب إلا من يستحق العذاب، وأنه- سبحانه- لا يظلم عباده مثقال ذرة. واسم الإشارة ذلِكَ يعود إلى العذاب المحقق المنزل منزلة المحسوس المشاهد. والمراد بالأيدى الأنفس، والتعبير بالأيدى عن الأنفس من قبيل التعبير بالجزء عن الكل.

وخصت الأيدى بالذكر، للدلالة على التمكن من الفعل وإرادته، ولأن أكثر الأفعال يكون عن طريق البطش بالأيدى، ولأن نسبة الفعل إلى اليد تفيد الالتصاق به والاتصال بذاته.

قال الآلوسى ما ملخصه:

<<  <  ج: ص:  >  >>