للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا توفون أجوركم على طاعتكم ومعصيتكم عقيب موتكم، وإنما توفونها يوم قيامكم من القبور.

فإن قلت: فهذا يوهم نفى ما يروى من أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟ قلت: كلمة التوفية تزيل هذا الوهم، لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون في ذلك اليوم، وما يكون قبل ذلك فهو بعض الأجور» «١» .

وقال الفخر الرازي: «بين- سبحانه- أن تمام الأجر والثواب لا يصل إلى المكلف إلا يوم القيامة، لأن كل منفعة تصل إلى المكلف في الدنيا فهي مكدرة بالغموم والهموم وبخوف الانقطاع والزوال، والأجر التام والثواب الكامل إنما يصل إلى المكلف يوم القيامة، لأن هناك يحصل السرور بلا غم، والأمن بلا خوف، واللذة بلا ألم، والسعادة بلا خوف الانقطاع.

وكذا القول في العقاب، فإنه لا يحصل في الدنيا ألم خالص عن شوائب اللذة، بل يمتزج به راحات وتخفيفات، وإنما الألم التام الخالص الباقي هو الذي يكون يوم القيامة» «٢» .

ثم قال- تعالى- فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ.

الزحزحة عن النار: هي التنحية عنها، وعدم الاقتراب منها والفعل زحزح مضاعف الفعل زحه عن المكان إذا جذبه وأبعده عنه بعجلة وسرعة.

والمعنى أن كل نفس سيدركها الموت لا محالة. وأن الناس سيحاسبون على أعمالهم يوم القيامة، فمن كانت نتيجة حسابه الإبعاد عن النار، والنجاة من سعيرها، فقد فاز فوزا عظيما، وأدرك البغية التي ليس بعدها بغية.

والفاء في قوله فَمَنْ زُحْزِحَ للتفريع على قوله تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ.

وجمع- سبحانه- بين زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ مع أن في الثاني غنية عن الأول، للإشعار بأن دخول الجنة يشتمل على نعمتين عظيمتين وهما: النجاة من النار، والتلذذ بنعيم الجنة.

وفي الحديث الشريف عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ «٣» .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أن يزحزح عن


(١) تفسير الكشاف ج ص ٣٤٥. بتصرف يسير.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ١٣٧.
(٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>