يطلبون من الناس أن يمدحوهم على ما ارتكبوه من منكرات، فهم ممن قال الله فيهم أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.
لا تحسبن هؤلاء الأشرار بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ أى بمنجاة منه، بل لهم عذاب مؤلم أشد الإيلام بسبب ما اجترحوه من سيئات.
وقوله الَّذِينَ يَفْرَحُونَ هو المفعول الأول لتحسب، والمفعول الثاني محذوف والتقدير:
لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا موفقين. أو مهتدين، أو صالحين.
وحذف هذا المفعول الثاني لدلالة ما بعده عليه وهو قوله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ ولتذهب النفس كل مذهب فيما يتناسب مع الوصف الذي وصفهم به- سبحانه-، وهو أنهم يفعلون القبيح ويحبون أن يحمدهم الناس عليه.
وقوله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ بيان لسوء عاقبتهم بسبب أفعالهم السيئة وهو تأكيد لقوله لا تَحْسَبَنَّ.
قال الزجاج: جرت عادة العرب أنهم إذا طالت القصة أو الكلام أعادوا لفظ حسب وما أشبهه، للإعلام بأن الذي جرى متصل بالكلام الأول والأول متصل به. فتقول. لا تظن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا فلا تظنه صادقا. فيفيد «لا تظنن» توكيدا وتوضيحا «١» .
والتعبير عن النجاة من العذاب الأليم بقوله- تعالى بِمَفازَةٍ للإشعار بأن أقصى ما يكون لهم من فوز أن ينجوا من العذاب الأليم، ولكنهم لن ينجوا منه أبدا، ولذا أكد- سبحانه- عدم نجاتهم بقوله وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
فذكر- سبحانه- عذابهم الأليم بالسلب والإيجاب، فنفى أولا أنهم بمنجاة منه، وأخبر ثانيا أنهم واقعون فيه.
هذا، وقد ذكر كثير من العلماء أن هذه الآية الكريم نزلت في شأن أحبار اليهود فقد روى الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف أن مروان قال لبوابه رافع: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقال له لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذ بن جميعا.
فقال ابن عباس: ما لكم وهذه، وإنما نزلت هذه في أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس:
(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ١٥١.