قوله- تعالى- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى له وحده- سبحانه- ملك السموات والأرض بما فيهما، فهو وحده صاحب السلطان القاهر في هذا العالم يتصرف فيه كيفما يشاء ويختار: إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، وهو- سبحانه- على كل شيء قدير، لا يعجزه أمر، ولا يدفع عقابه دافع، ولا يمنع عقابه مانع، فعليكم أيها الناس أن تطيعوه وأن تحذروا غضبه ونقمته.
وبعد أن بين- سبحانه- أن ملك السموات والأرض بقبضته، أشار- سبحانه- إلى ما فيهما من عبر وعظات فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ.
أى: إن في إيجاد السموات والأرض على هذا النحو البديع، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب وبحار وزروع وأشجار ... وفي إيجاد الليل والنهار على تلك الحالة المتعاقبة، وفي اختلافهما طولا وقصرا.. وفي كل ذلك لأمارات واضحة، وأدلة ساطعة، لأصحاب العقول السليمة على وحدانية الله- تعالى- وعظيم قدرته، وباهر حكمته.
أى إن في إيجاد السموات والأرض وإنشائهما على ما هما عليه من العجائب، وما اشتملتا عليه من البدائع، وفي اختلاف الليل والنهار ... إن في كل ذلك من العبر والعظات ما يحمل كل عاقل على الاعتراف بوحدانية الله، وكمال قدرته وحكمته.
والمراد بأولى الألباب: أصحاب العقول السليمة، والأفكار المستقيمة، لأن لب الشيء هو خلاصته وصفوته.
ولقد قال الزمخشري في صفة أولى الألباب:«هم الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار، ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطرة. وفي الحكم: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا في حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر»«١» .