ومعنى لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ لا أزيل ثواب عمل أى عامل منكم، بل أكافئه عليه بما يستحقه، وأعطيه من ثوابي ورحمتي ما يشرح صدره، ويدخل البهجة والسرور على نفسه.
وقوله مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بيان لعامل، وتأكيد عمومه، أى لا أضيع عمل أى شخص عامل سواء أكان هذا العامل ذكرا أم أنثى.
ومعنى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، كلكم بنو آدم وهذه جملة معترضة مبينة لسبب شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله به عباده من أجر جزاء أعمالهم الصالحة.
روى الترمذي عن أم سلمة قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله- تعالى- ذكر النساء في الهجرة، فأنزل الله- تعالى- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.
ثم بين- سبحانه- الأعمال الصالحة التي استحق بها هؤلاء الأبرار حسن الثواب منه- سبحانه- فقال: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا، لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ.
أى: فالذين هاجروا بأن تركوا أوطانهم التي أحبوها إلى أماكن أخرى من أجل إعلاء كلمة الله، وأخرجوا من ديارهم، فرارا بدينهم من ظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي أى تحملوا الأذى والاضطهاد في سبيل الحق الذي آمنوا به وَقاتَلُوا أعداء الله وَقُتِلُوا وهم يجاهدون من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل.
هؤلاء الذين فعلوا كل ذلك، وعدهم الله- تعالى- بالأجر العظيم فقال: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أى لأمحون عنهم ما ارتكبوه من سيئات، ولأسترنها عليهم حتى تعتبر نسيا منسيا وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أى تجرى من تحت قصورها الأنهار التي فيها العسل المصفى، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
وقوله ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ أى لأثيبنهم ثوابا عظيما من عندي، والله- تعالى- عنده حسن الجزاء لمن آمن وعمل صالحا.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد منح هؤلاء الأخيار ذلك الأجر الجزيل لأنهم قد هاجروا من الأرض التي أحبوها إلى غيرها من أجل إعلاء كلمة الله، وأخرجوا منها مضطرين لا مختارين فرارا بدينهم، ولقد ذكر المؤرخون أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند ما خرج من مكة مهاجرا التفت إليها وقال:«يا مكة والله لأنت أحب بلاد الله إلى ولولا أن قومك أخرجونى ما خرجت» .