للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه يوفيها لكل عامل على ما ينبغي وقدر ما ينبغي.

ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر فإن سرعة الحساب تستدعى سرعة الجزاء فكأنه قيل: لهم أجرهم عند ربهم عن قريب، لأن الله- تعالى- سريع الحساب والجزاء.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بنداء جامع للمؤمنين، دعاهم فيه إلى الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا، وَرابِطُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

والصبر معناه: حبس النفس عن أهوائها وشهواتها وترويضها على تحمل المكاره وتعويدها على أداء الطاعات.

والمصابرة: هي المغالبة بالصبر: بأن يكون المؤمن أشد صبرا من عدوه.

ورابطوا: من المرابطة وهي القيام على الثغور الإسلامية لحمايتها من الأعداء، فهي استعداد ودفاع وحماية لديار الإسلام من مهاجمة الأعداء.

والمعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا على طاعة الله وعلى تحمل المكاره والآلام برضا لا سخط معه فإن الصبر جماع الفضائل وأساس النجاح والظفر.

وَصابِرُوا أى قابلوا صبر أعدائكم بصبر أشد منه وأقوى في كل موطن من المواطن التي تستلزم الصبر وتقتضيه.

قال صاحب الكشاف: وَصابِرُوا أعداء الله في الجهاد، أى غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب، ولا تكونوا أقل منهم صبرا وثباتا فالمصابرة باب من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه تخصيصا لشدته وصعوبته» «١» .

وَرابِطُوا أى أقيموا على مرابطة الغزو في نحر العدو بالترصد له، والاستعداد لمحاربته وكونوا دائما على حذر منه حتى لا يفاجئكم بما تكرهون.

ولقد كان كثير من السلف الصالح يرابطون في سبيل الله نصف العام، ويطلبون قوتهم بالعمل في النصف الآخر.

ولقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث التي وردت في فضل المرابطة من أجل حماية ديار الإسلام، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>