ثم بينت السورة الكريمة بعد ذلك في الربع الخامس منها: الأساس الذي يقوم عليه الحكم في الإسلام، فذكرت أن العدل والأمانة هما الدعامتان الراسختان اللتان يقوم عليهما الحكم في الإسلام. ووجهت إلى المؤمنين نداء أمرتهم فيه بطاعة الله وطاعة رسوله وأولى الأمر منهم، كما أمرتهم بأن يردوا كل تنازع يحصل بينهم إلى ما يقضى به كتاب الله وسنة رسوله، لأن التحاكم إلى غيرهما لا يليق بمؤمن.
ثم أخذت السورة الكريمة في توبيخ المنافقين الذين يزعمون أنهم مؤمنون ومع ذلك يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ. وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم بزجرهم وبالإعراض عنهم، وأخبرته بأنهم لا إيمان لهم ما داموا لم يرتضوا حكمه.
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن الجهاد في سبيل الله، لأن الحق يجب أن يكون هو السائد في الأرض ولأن المؤمن لا يليق به أن يستسلم للأعداء، بل عليه أن يجاهدهم وأن يغلظ عليهم حتى تكون كلمة الله هي العليا.
لذا نجد السورة الكريمة توجه إلى المؤمنين نداء تأمرهم فيه بالحذر وأخذ الأهبة لقتال أعدائهم، وتحرضهم على هذا القتال للأعداء، بأقوى ألوان التحريض وأحكمها.
فأنت تراها في الربع السادس منها تأمر المؤمنين بالقتال في سبيل الله، وتبشر هؤلاء المقاتلين بأنهم لن يصيبهم إلا إحدى الحسنيين، وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.
وتستبعد أن يقصر المؤمنون في أداء هذا الواجب، لأن تقصيرهم يتنافى مع إيمانهم، وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ وتبين لهم أن قتالهم إنما هو من أجل إعلاء كلمة الله، وقتال أعدائهم لهم إنما هو من أجل إعلاء كلمة الطاغوت.