وسيحاسبكم عليها يوم القيامة.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة: وجوب مراقبته- سبحانه- وخشيته وإخلاص العبادة له، لأنه هو الذي أوجدهم من نفس واحدة، وهو الذي أوجد من هذه النفس الموحدة زوجها، وهو الذي أوجد منها عن طريق التناسل الذكور والإناث الذين يملؤون أقطار الأرض على اختلاف صفاتهم وألوانهم ولغاتهم، وهو الذي لا تخفى عليه خافية من أحوالهم، بل هو مطلع عليهم وسيحاسبهم على أعمالهم يوم الدين، ومن كان كذلك فمن حقه أن يتقى ويخشى ويطاع ولا يعصى.
كما أخذوا منها جواز المسألة بالله- تعالى- لأنه- سبحانه- قد أقرهم على هذا التساؤل لكونهم يعتقدون عظمته وقدرته.
وقد ورد في هذا الباب أحاديث متعددة منها ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه. ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئون به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه» .
نعم من أداه التساؤل باسمه- تعالى- إلى التساهل في شأنه، وجعله عرضة لعدم إجلاله، فإنه يكون محظورا قطعا. وعليه يحمل ما ورد من أحاديث تصرح بلعن من سأل بوجه الله.
ومنها ما رواه الطبراني عن أبى موسى الأشعرى مرفوعا: ملعون من سأل بوجه الله. وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا. أى ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق.
كما أخذوا منها أيضا وجوب صلة الرحم، فقد جعل- سبحانه- الإحسان طلى الآباء وإلى الأقارب في المنزلتين الثانية والثالثة بعد الأمر بعبادته فقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ «١» .
ومن الأحاديث التي وردت في وجوب صلة الرحم ما رواه البخاري عن أبى هريرة قال:
«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله، فليصل رحمه.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرحم معلقة بالعرش. تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.
وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الواصل بالمكافئ.
(١) سورة النساء الآية ٣٦.