خفتم الجور في حق اليتامى، فخافوا الزنا، فانكحوا ما حل لكم من النساء، ولا تحوموا حول المحرمات» «١» .
هذه أشهر الأقوال في معنى الآية الكريمة، ويبدو لنا أن أرجحها أولها، لأنه هو الظاهر من معنى الآية، ولأن الغالب أن السيدة عائشة- رضى الله عنها- ما فسرت الآية بهذا التفسير الذي قالته لابن أختها عروة إلا عن توقيف ومعاينة لحال النزول، ولأن الملازمة بين الشرط والجزاء في الآية على هذا الوجه تكون ظاهرة. إذ التقدير وإن خفتم أيها الأولياء الجور والظلم في نكاح اليتامى اللاتي في ولايتكم فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء.
أما على القول الثاني فمحل الملازمة بين الشرط والجزاء إنما هو فيما تفرع عن الجزاء وهو قوله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
وعلى قول مجاهد تضعف الملازمة بين الشرط والجزاء.
هذا، والأمر في قوله فَانْكِحُوا- على التفسير الأول- للإباحة كما في قوله- تعالى- كُلُوا وَاشْرَبُوا ... خلافا للظاهرية الذين يرون أنه للوجوب. وما في قوله- تعالى- ما طابَ لَكُمْ
موصولة أو موصوفة. وما بعدها صلتها أو صفتها. وأوثرت على من: لأنها أريد بها الصفة وهو الطيب من النساء بدون تحديد لذات معينة، ولو قال فانكحوا من طاب لكم لتبادر إلى الذهن أن المراد نسوة طيبات معروفات بينهم.
وقوله- تعالى- مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ حال من فاعل طابَ المستتر أو من مرجعه- وهو ما-، أو بدل منه.
وهذه الكلمات الثلاث من ألفاظ العدد. وتدل كل واحدة منها على المكرر من نوعها. فمثنى تدل على اثنين اثنين. وثلاث تدل على ثلاثة ثلاثة. ورباع تدل على أربعة أربعة.
والمراد منها هنا: الإذن لكل من يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين.
والمعنى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء معدودات هذا العدد: ثنتين ثنتين. وثلاثا ثلاثا.
وأربعا أربعا. حسبما تريدون وتستطيعون.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع. فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع.
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤٦١.