قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ الاستعانة: طلب المعونة، والصبر حبس النفس على ما نكره. يقال: صبر على الطاعة. أى حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه في أدائها من مشاق وصبر عن المعصية. أى كف نفسه عما تنزع إليه من أهواء.
والمعنى: واستعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإسلام، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التي تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات، وبفريضة الصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر.
قوله تعالى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ كبيرة: أى صعبة شاقة. يقال كبر الشيء إذا شق وثقل، ومنه قوله تعالى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أى ثقل وصعب- والخاشعين: من الخشوع وهو في الأصل اللين والسهولة «ومعناه في الآية الكريمة. الخضوع والاستكانة لله تعالى، والضمير في- إنها- للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضروب من الصبر، والاستثناء مفرغ. أى كبيرة على كل الناس إلا على الخاشعين.
والمعنى: إن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين المخبتين المتطامنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالى لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح في الدنيا، والسعادة في الآخرة، ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطا وسرورا يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص.
قال الإمام الرازي: «فإن قيل: إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين، فيجب أن يكون ثوابهم أكثر، وثواب الخاشع أقل، وذلك منكر من القول؟ قلنا: ليس المراد أن الذي يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع. وكيف يكون ذلك، والخاشع يستعمل في الصلاة جوارحه وقلبه، ولا يغفل فيها وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه يفعل الصلاة أعظم.
وإنما المراد بقوله تعالى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ. أى ثقيلة على غير الخاشع لأنه لا يعتقد في فعلها ثوابا، ولا في تركها عقابا، فيصعب عليه فعلها، فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة في أدائها ثقل عليه فعلها، لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع. أما الموحد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع، وفي تركها أكبر المضار، لم يثقل عليه أداؤها. بل أداها وهو سعيد بها، ألا ترى إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلم: «جعلت قرة عيني في الصلاة» وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه.
ثم وصف- سبحانه- الخاشعين وصفا يناسب المقام، ويظهر وجه الاستعانة، فقال- تعالى-: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ.
الظن: يرد في أكثر الكلام بمعنى الاعتقاد الراجح، وهو ما يتجاوز مرتبة الشك، وقد يقوى حتى يصل إلى مرتبة اليقين والقطع، وهو المراد هنا ومثل ذلك قوله- تعالى-