وبهذا يتبين أن الإسلام قد أكرم المرأة غاية الإكرام حيث أعطاها هذا النصيب الخاص بها من الميراث بعد أن كانت في الجاهلية لا ترث شيئا.
ولم يقل- سبحانه- للذكر ضعف نصيب الأنثى، لأن الضعف قد يصدق على المثلين فصاعدا، فلا يكون نصا.
ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر ولا للأنثى نصف حظ الذكر، لأن المقصود تقديم الذكر لبيان فضله ومزيته على الأنثى.
وعبر بالذكر والأنثى دون الرجال والنساء، للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا، كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال ولا النساء.
وبعد أن بين- سبحانه- كيفية قسمة التركة إذا كان الورثة أولادا ذكورا وإناثا، عقب ذلك ببيان كيفية تقسيم التركة إذا كان الورثة من الأولاد الإناث فقط فقال- تعالى-: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك.
قال الآلوسى: الضمير للأولاد مطلقا، ولزوم تغليب الإناث على الذكور لا يضر، لأن ذلك مما صرحوا بجوازه مراعاة للخبر ومشاكلة له. ويجوز أن يعود إلى المولودات أو البنات اللاتي في ضمن مطلق الأولاد.. والمراد من الفوقية زيادة العدد لا الفوقية الحقيقية «١» .
والمعنى: فإن كانت المولودات أو البنات نساء خلصا زائدات على اثنتين بالغات ما بلغن فلهن ثلثا ما ترك المتوفى.
وهذه الجملة الكريمة قد بينت بالقول الصريح نصيب الأكثر من البنتين وهو الثلثان إلا أنها لم تبين نصيب البنتين بالقول الصريح.
وقد روى عن ابن عباس أنه قال: الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعدا وأما فرض البنتين فهو النصف. ودليله صريح منطوق الآية، فقد اشترطت أن أخذ ثلثى التركة للنساء يكون إذا كن فوق اثنتين أى ثلاثا فصاعدا، وذلك ينفى حصول الثلثين للبنتين.
وقال جمهور العلماء: البنتان لاحقتان بالبنات، فلهما الثلثان إذا انفردتا عن البنين كما أن البنات لهن الثلثان كذلك.
وقد بسط الفخر الرازي أدلة الجمهور على أن للبنتين الثلثين كالبنات فقال ما ملخصه:
وأما سائر الأمة فقد أجمعوا على أن فرض البنتين الثلثان. قالوا: وإنما عرفنا ذلك بوجوه:
(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٢١١- بتصرف وتلخيص.