للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنهم من قال المراد بهما الرجل والمرأة البكران اللذان لم يحصنا.

ومنهم من قال المراد بهما الرجلان يفعلان اللواط.

ومنهم من قال المراد بهما الرجل والمرأة لا فرق بين بكر وثيب.

والمختار عند كثير من العلماء هو الرأى الأول، قالوا: لأن الله- تعالى- ذكر في هاتين الآيتين حكمين:

أحدهما: الحبس في البيوت.

والثاني: الإيذاء. ولا شك أن من حكم عليه بالأول خلاف من حكم عليه بالثاني، والشرع يخفف في البكر ويشدد على الثيب، ولذلك لما نسخ هذا الحكم جعل للثيب الرجم وللبكر الجلد، فجعلنا الحكم الشديد وهو الحبس على الثيب، والحكم الأخف وهو الإيذاء على البكر.

قالوا: وقد نسخ حكم هذه الآية بآية النور، حيث جعل حكم الزانيين اللذين لم يحصنا جلد مائة.

فقد أخرجه ابن جرير عن الحسن البصري وعكرمة قالا في قوله- تعالى- وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما الآية، نسخ ذلك بآية الجلد وهي قوله- تعالى- في سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ الآية «١» .

ومن العلماء من قال بأن هذه الآية غير منسوخة بآية النور، فإن العقوبة ذكرت هنا مجملة غير واضحة المقدار لأنها مجرد الإيذاء، وذكرت بعد ذلك مفصلة بينة المقدار في سورة النور. أى أن ما ذكر هنا من قبيل المجمل، وما ذكر في سورة النور من قبيل المفصل، وأنه لا نسخ بين الآيتين.

هذا، ولأبى مسلم الأصفهاني رأى آخر في تفسير هاتين الآيتين، فهو يرى أن المراد باللاتى في قوله وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ النساء السحاقات اللاتي يستمتع بعضهن ببعض وحدهن الحبس، والمراد بقوله وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ اللائطون من الرجال وحدهم الإيذاء.

وأما حكم الزناة فسيأتى في سورة النور.

قال الآلوسى: وقد زيف هذا القول بأنه لم يقل به أحد، وبأن الصحابة قد اختلفوا في حكم اللوطي ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية، وعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على الحكم دليل على أن الآية ليست في ذلك. وأيضا جعل الحبس في البيت عقوبة السحاق


(١) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>