وقوله: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ نهى آخر عن بعض الأعمال السيئة التي كان أهل الجاهلية يعاملون بها المرأة. وهو معطوف على قوله:
أَنْ تَرِثُوا.... وأعيد حرف «لا» للتوكيد.
أى: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، ولا يحل لكم أن تعضلوهن.
وأصل العضل: التضييق والحبس والمنع. يقال: عضلت الناقة بولدها، إذا نشب في بطنها وتعسر عليه الخروج. وأعضل به الأمر، إذا اشتد وتعسر.
والمراد به هنا: منع المرأة من الزواج والتضييق عليها في ذلك، سواء أكان هذا المنع والتضييق من الزوج أم من غيره.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قوله- تعالى-: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ.
يقول: ولا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، يعنى الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيؤذيها لتفتدى- أى: لتفتدى نفسها منه بأن تترك له مالها عليه من مهر أو مال- «١» .
وقيل: كان أولياء الميت يمنعون زوجته من التزوج بمن شاءت، ويتركونها على ذلك حتى تدفع لهم ما أخذت من ميراث الميت، أو حتى تموت فيرثوها.
والمعنى: لا يحل لكم- أيها المؤمنون- أن ترثوا النساء كرها، ولا أن تمنعوهن من الزواج لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ من الصداق أو غيره، بأن يدفعن إليكم بعضه اضطرارا فتأخذوه منهن، فإن هذا الفعل يبغضه الله- تعالى-.
ويبدو لنا من سياق الآية أن النهى عن عضل المرأة هنا- وإن كان يتناول جميع المكلفين-، إلا أن المعنى به الأزواج ابتداء، لأنهم- في الغالب- هم الذين كانوا يفعلون ذلك.
ولذا قال ابن جرير- بعد أن ذكر الأقوال في المعنى بالخطاب في قوله: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ.
«وأولى الأقوال التي ذكرناها بالصحة في تأويل قوله: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ قول من قال:
«نهى الله زوج المرأة عن التضييق عليها، والإضرار بها، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب، لتفتدى منه ببعض ما آتاها من الصداق.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل المرأة إلا لأحد رجلين: إما لزوجها بالتضييق عليها ... ليأخذ منها ما آتاها ... أو لوليها الذي إليه إنكاحها. ولما كان
(١) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٣٠٨.