للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجملة حالية بتقدير قد. أى: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج والحال أنكم قد آتيتم التي تريدون أن تطلقوها قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا.

والاستفهام في قوله أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً للإنكار والتوبيخ، والبهتان: هو الكذب الذي يدهش ويحير لفظاعته. ويطلق على كل أمر كاذب يتحير العقل في إدراك سببه أو لا يعرف مبررا لوقوعه، كمن يعتدى على الناس ويتقول عليهم الأقاويل، مع أنه ليست هناك عداوة سابقة بينه وبينهم.

قال صاحب الكشاف: والبهتان: أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برىء منه ولأنه يبهت عند ذلك. أى يتحير.

والإثم: هو الذنب العظيم الذي يبعد صاحبه عن رضا الله- تعالى- والمبين هو الشيء الواضح الذي يعلن عن نفسه بدون لبس أو خفاء.

وقوله بُهْتاناً وَإِثْماً مصدران منصوبان على الحالية بتأويل الوصف، أى: أتأخذون ما تريدون أخذه منهن باهتين، أى فاعلين فعلا تتحير العقول في سببه، وآثمين بفعله إثما واضحا لا لبس فيه ولا خفاء؟! ويصح أن يكون المصدران مفعولين لأجله، ويكون ذلك أشد في التوبيخ والإنكار، إذ يكون المعنى عليه: أتأخذونه لأجل البهتان والإثم المبين الذي يؤدى إلى غضب الله عليكم؟! إن إيمانكم يمنعكم من ارتكاب هذا الفعل الشنيع في قبحه.

قالوا: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد التزويج بامرأة أخرى، بهت التي تحته- أى رماها بالفاحشة التي هي بريئة منها- حتى يلجئها إلى أن تطلب طلاقها منه في نظير أن تترك له ما لها عليه من صداق أو غيره، فنهوا عن ذلك.

ثم كرر- سبحانه- توبيخه لمن يحاول أخذ شيء من صداق زوجته التي خالطته في حياته مدة طويلة فقال: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.

وأصل أفضى- كما يقول الفخر الرازي- من الفضاء الذي هو السعة يقال: فضا يفضو فضوا وفضاء إذا اتسع. ويقال: أفضى فلان إلى فلان أى: وصل إليه وأصله أنه صار في فرجته وفضائه.

والمراد بالإفضاء هنا: الوصول والمخالطة: لأن الوصول إلى الشيء قطع للفضاء الذي بين المتواصلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>