إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله- عز وجل-» هـ «١» .
ثم وصف اليوم بوصف ثالث فقال تعالى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ.
العدل: العوض والفداء. سمى بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدى بمثله في القيمة أو العين ويسويه به. يقال: عدل كذا بكذا: أى سواه به.
والمعنى: لا يؤخذ منها فداء أو بدل في ذلك اليوم إن هي استطاعت إحضاره على سبيل الفرض والتقدير.
ثم وصفه بوصف رابع فقال تعالى: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ والنصر هو الإعانة في الحرب وغيره بقوة الناصر، وقدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق. فضلا عما استفيد من نفى الفعل وإسناده للمجهول وجاء الضمير في قوله تعالى: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ جمعا مع أنه عائد على النفس وهو قوله تعالى: لا تَجْزِي نَفْسٌ لأن النكرة إذا وقعت في سياق النفي تناولت كل فرد من أفرادها، وبهذا صارت في معنى الجمع، وصح أن يعود عليها ضمير الجمع وهو (هم) .
والمعنى. أنهم لا يجدون من يعينهم ويمنعهم من عذاب الله يوم القيامة.
ولما كان اليهود يعتقدون أنهم شعب مميز، وأن نسبتهم إلى الأنبياء ستجعلهم في مأمن من العقاب رغم عصيانهم وفسوقهم، وأن آباءهم سيشفعون لهم ... لما كانوا كذلك جاءت هذه الآية الكريمة لتبطل ما اعتقدوه، وتقطع ما أمّلوه، ولتنقض كل ما يحتمل أن يكون وسيلة للنجاة يوم القيامة سوى الإيمان والعمل الصالح.
فقد نفت الآية الكريمة وجود من ينوب عنهم بقولها لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً.
ونفت انتفاعهم بشفاعة الشافعين يوم الحساب بقولها (ولا يقبل منها شفاعة) .
ونفت قبول البدل أو الفداء عما ارتكبوه من خطايا بقولها وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ.
ونفت وجود من ينتصر لهم أو يدافع عنهم بقولها وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
وهكذا سدت عليهم الآية الكريمة كل منفذ يتوهمون نجاتهم من عذاب الله بسببه، ما داموا مصرين على كفرهم وجحودهم.
هذا، وقد اشتملت هاتان الآيتان على أسلوب حكيم في التوجيه، وطريقة فريدة في الإرشاد، جمعت بين الترغيب والترهيب، فإن الآية الأولى ابتدأت بندائهم باسم أبيهم
(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٢٦٨.