للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: معناه: أن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم. وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة وربما كانت المرأة أرجح في الإيمان من الرجل. وحق المؤمنين أن لا يعيروا إلا فضل الايمان لا فضل الأحساب والأنساب. وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه. وقوله بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أى: أنتم وأرقاؤكم متناسبون متواصلون لاشتراككم في الإيمان لا يفضل حر عبدا إلا برجحان فيه «١» .

ثم بين- سبحانه- كيفية الزواج بهن فقال: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ والمراد بأهلهن: مواليهن الذين يملكونهن: وعبر عن المالكين لهن بالأهل، حملا للناس على الأدب في التعبير، ولأنه يجب أن تكون العلاقة بين العبد ومالكه علاقة أهل لا علاقة استعلاء.

والمراد بالأجور هنا: المهور التي تدفع لهن في مقابل نكاحهن.

والمراد بالمحصنات هنا: العفائف البعيدات عن الفاحشة والريبة. والمرأة المسافحة هي التي تؤاجر نفسها لكل رجل أرادها. والتي تتخذ الخدن هي التي تتخذ لها صاحبا معينا. وكان أهل الجاهلية يفصلون بين القسمين فيستقبحون الزنا العلنى ويستحلون السرى، فجاءت شريعة الإسلام بتحريم القسمين. قال- تعالى وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ. وقال- تعالى قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.

وقوله فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ مترتب ومتفرع على ما قبله من أحكام.

والمعنى: إذا عرفتم حكم الله في شأن فتياتكم المؤمنات فانكحوهن بعد أن يأذن لكم في ذلك مواليهن ويرضون عن هذا النكاح، وأدوا إليهن مهورهن بالقدر المتعارف عليه شرعا وعادة عن طيب نفس منكم، وبدون مطل أو بخس. فإنه لا يصح أن تتخذوا من كون المنكوحة أمة سبيلا لغمط حقها، وتصغير شأنها.

وقد اتفق العلماء على أن نكاح الأمة بغير إذن سيدها غير جائز، عملا بظاهر هذه الآية الكريمة، فان قوله- تعالى-: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ يقتضى كون الإذن شرطا في جواز النكاح، ولأن منافع الأمّة لسيدها وهي ملك له فلا يجوز نكاحها إلا بإذنه.

قال القرطبي: قوله- تعالى- فَانْكِحُوهُنَّ أى بولاية أربابهن المالكين وإذنهم. وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيده، لأن العبد مملوك لا أمر له، وبدنه كله مستغرق، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز، هذا مذهب مالك وأصحاب الرأى، والأمة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز ولو بإجازة السيد «٢» .


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٠٠
(٢) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>