وذهب الكوفيون إلى أن اللام هي الناصبة للفعل من غير إضمار أن، وهي وما بعدها مفعول للفعل المقدم أى: يريد الله البيان لكم «١» .
والمعنى: يريد الله- تعالى- بما شرع لكم من أحكام، وبما ذكر من محرمات ومباحات أن يبين لكم ما فيه خيركم وصلاحكم وسعادتكم، وأن يميز لكم بين الحلال والحرام والحسن والقبيح.
وقوله: وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ معطوف على ما قبله.
والسنن: جمع سنة وهي الطريقة وفي أكثر استعمالها تكون للطريقة المثلى الهادية إلى الحق.
أى: ويهديكم مناهج وطرائق من تقدمكم من الأنبياء والصالحين، لتقتفوا آثارهم وتسلكوا سبيلهم.
وليس المراد أن جميع ما شرعه الله من حلال أو من حرام كان مشروعا بعينه للأمم السابقة.
بل المراد أن الله كما قد شرع للأمم السابقة من الأحكام ما هم في حاجة إليه وما اقتضته مصالحهم، فكذلك قد شرع لنا ما نحن في حاجة إليه وما يحقق مصالحنا، فإن الشرائع والتكاليف وإن كانت مختلفة في ذاتها إلا أنها متفقة في باب المصالح.
وقوله: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ معطوف على ما قبله.
والتوبة معناها: ترك الذنب مع الندم عليه والعزم على عدم العود، وذلك مستحيل في حقه- سبحانه- لذا قالوا: المراد بها هنا المغفرة لتسببها عنها. أو المراد بها قبول التوبة.
أى: ويقبل توبتكم متى رجعتم إليه بصدق وإخلاص، فقد تكفل- سبحانه- لعباده أن يغفر لهم خطاياهم متى تابوا إليه توبة صادقة نصوحا وفي التعبير عن قبول التوبة بقوله:
وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ إشارة إلى ما يتضمنه معنى قبول التوبة من ستر للذنوب، ومنع لكشفها، فهي غطاء على المعاصي يمنعها من الظهور حتى يذهب تأثيرها في النفس:
فالآية الكريمة تحريض على التوبة، لأن الوعد بقبولها متى كانت صادقة يغرى الناس. بطرق بابها وبالإكثار منها..
وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أى والله- تعالى- ذو علم شامل لجميع الأشياء، فيعلم أن ما شرع لكم من أحكام مناسب لكم، وما سلكه المهتدون من الأمم قبلكم، ومتى تكون توبة أحدكم صادقة ومتى لا تكون كذلك حَكِيمٌ يضع الأمور في مواضعها. فيبين لمن يشاء، ويهدى من يشاء، ويتوب على من يشاء.
(١) تفسير الآلوسى ج ٥ ص ١٣