وهذه الآية الكريمة أصل عظيم في حرمة الأموال والأنفس. ولقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في خطبته في حجة الوداع حيث قال: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» .
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من يفعل ما نهى الله عنه فقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً.
واسم الإشارة في قوله «ومن يفعل ذلك» يعود إلى المذكور من أكل الأموال بالباطل ومن القتل. وقيل الإشارة إلى القتل لأنه أقرب مذكور.
والعدوان: مجاوزة الحد المشروع عن قصد وتعمد.
والظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
والمعنى: أن من يفعل ذلك المحرم حال كونه ذا عدوان وظلم عاقبه الله على ذلك عقابا شديدا في الآخرة، بإدخاله نارا هائلة محرقة، وكان عقابه بهذا العذاب الهائل الشديد يسيرا على الله، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء.
وجمع- سبحانه- بين العدوان والظلم ليشمل العذاب كل أحوال الارتكاب لمحارم الله، وليخرج ما كان غير مقصود من الجرائم، كمن يتلف مال غيره بدون قصد، وكمن يقتل غيره بدون تعمد، فإنه يكون ظالما وعليه دفع عوض معين للمستحق لذلك، إلا أنه لا يكون مستحقا لهذا العذاب الشديد الذي توعد الله به من يرتكب هذه الجنايات عن عدوان وظلم.
وبعد هذا الوعيد الشديد لكل معتد وظالم، فتح القرآن الكريم باب الرحمة للناس حتى لا يقنطوا من رحمة الله فقال- تعالى- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.
واجتناب الشيء معناه: المباعدة عنه وتركه جانبا بحيث تكون أنت في جانب وهو في جانب آخر ولا تلاقى بينكما.
وكبائر الذنوب: ما عظم منها، وعظمت العقوبة عليه. كالشرك، وقتل النفس بغير حق، وأكل مال اليتيم ونحو ذلك من المحرمات.
والسيئات: جمع سيئة وهي الفعلة القبيحة، وسميت بذلك لأنها تسوء صاحبها عاجلا أو آجلا.
والمراد بالسيئات هنا: صغائر الذنوب بدليل مقابلتها بالكبائر.
والمعنى: إن تتركوا- يا معشر المؤمنين- كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عن اقترافها،