تؤذوهن بألسنتكم أو بأيديكم أو بغير ذلك، بل اجعلوا ما كان منهن كأنه لم يكن، وحاولوا التقرب إليهن بألوان المودة والرحمة.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً فاحذروا مخالفة أمره، فإن قدرته- سبحانه- عليكم أعظم من قدرتكم على نسائكم.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به حث الأزواج على قبول توبة النساء، وتحذيرهم من ظلمهن إذا ما تركن النشوز، وعدن إلى طريق الطاعة والإنابة.
قال بعضهم: وذكر هاتين الصفتين في هذا الموضع في غاية الحسن، وبيانه من وجوه:
الأول: أن المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النساء. والمعنى: أنهن إن ضعفن عن دفع ظلمكم وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله- سبحانه- ينتصف لهن منكم لأنه علىّ قاهر كبير.
الثاني: لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم، فإن الله أعلى منكم وأكبر من كل شيء.
الثالث: أنه- سبحانه- مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون، كذلك لا تكلفوهن محبتكم، فإنهن لا يقدرن على ذلك.
الرابع: أنه مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب، بل يغفر له، فإذا تاب المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تتركوا عقوبتها وتقبلوا توبتها.
الخامس: أنه- تعالى مع علوه وكبريائه اكتفى من العبد بالظواهر ولم يهتك السرائر فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة، وأن لا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض» «١» .
ثم بين- سبحانه- ما يجب عمله إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فقال- تعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
والمراد بالخوف هنا العلم. والخطاب لولاة الأمور وصلحاء الأمة. وقيل لأهل الزوجين.
والمراد بالشقاق ما يحصل بين الزوجين من خلاف ومعاداة. وسمى الخلاف شقاقا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه.
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ٩١.