للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لليهود- وهو في ظاهره خير- لأن هذا الإبقاء عليهن، كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن واستعمالهن في الخدمة بالاسترقاق. فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم، تأباه النفوس الكريمة، والطباع الطيبة.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: (في ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:

أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال، وذلك يقتضى انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك، وهذا يقضى في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعا.

ثانيهما: أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء في أمر المعيشة، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال. لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد. فصارت هذه الخطة عظيمة في المحن، والنجاة منها تكون في العظم بحسبها.

ثالثها: أن قتل الولد عقب الحمل الطويل، وتحمل التعب، والرجاء القوى في الانتفاع به، من أعظم العذاب، فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة.

رابعها: أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهم، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات الأعداء وذلك نهاية الذل والهوان) «١» .

وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء في قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ الأطفال دون البالغين، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشافة والحقيرة، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال، لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.

ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال لا الأطفال، لأن لفظ الأبناء هنا جعل في مقابلة النساء، والنساء هن البالغات.

والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا، ولأنه أتم في إظهار نعمة الإنجاء، حيث كان أهل فرعون يقتلون الصغار قطعا للنسل، ويسترقون الأمهات استعبادا لهن، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت.

وقد جاءت جملة يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ في هذه الآية الكريمة بدون عطف وجاءت في سورة إبراهيم معطوفة بالواو «٢» . لأنها هنا بيان وتفسير لجملة يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ فيكون


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٣٥٨.
(٢) آية سورة إبراهيم هي قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ الآية ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>