للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في نحو قولهم: كما شرقت صدر القناة من الدم..

والمعنى: إن الله- تعالى- بفضله وجوده لا يظلم الناس شيئا، ولا ينقصهم أى نقص من ثواب أعمالهم بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها أى وإن تك الفعلة الحسنة بالغة في القلة مثقال ذرة يضاعف ثوابها بكرمه وجوده أضعافا كثيرة. وفوق ذلك فإنه- سبحانه- يعطى من يشاء إعطاءه عطاء عظيما من عنده ولا يعلم مقدار هذا العطاء إلا هو- سبحانه.

وفي إضافة هذا العطاء العظيم إلى ذاته- تعالى- في قوله مِنْ لَدُنْهُ تشريف له، وتهويل من شأنه.

وسماه أجرا لكونه جزاء على العمل الصالح الذي عمله عباده المؤمنون الصادقون.

هذا، وقد أورد الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث في معنى هذه الآية ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أبى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل وفيه: فيقول الله- تعالى- لملائكته! ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار، فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقول أبو سعيد: اقرؤا إن شئتم قوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ.

وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله لا يظلم المؤمن حسنة. يثاب عليها الرزق في الدنيا. ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة» «١» .

ثم نبه- سبحانه- هؤلاء الكافرين إلى ما يكونون عليه من حال سيئة يوم القيامة إذا استمروا في كفرهم فقال: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً. يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً.

قال الفخر الرازي: وجه النظم هو أنه- تعالى- بين أن في الآخرة لا يجرى على أحد ظلم، وأنه- تعالى- يجازى المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه. فبين في هذه الآية- وهو قوله- تعالى- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ أن ذلك يجرى بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ. والتبكيت له أعظم. وحسرته أشد. ويكون سرور من قبل من الرسول وأظهر الطاعة أعظم. ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ووعدا للمطيعين الذين قال فيهم «وإن تك حسنة يضاعفها» «٢» .


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٩٧.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>