أى: والله- تعالى- أعلم بأعدائكم منكم- أيها المؤمنون- وقد أخبركم بأحوالهم وبما يبيتون لكم من شرور فاحذروهم ولا تلتفتوا إلى أقوالهم وأعدوا العدة لتأديبهم دفاعا عن دينكم وعقيدتكم.
وقوله وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً تذييل قصد به غرس الطمأنينة في نفوس المؤمنين بأن العاقبة لهم.
أى: وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا يتولى أموركم، ويصلح بالكم، وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً يدفع عنكم مكرهم وشرورهم وما دام الأمر كذلك فاكتفوا بولايته ونصرته. واعتصموا بحبله، وأطيعوا أمره، ولا تكونوا في ضيق من مكر أعدائكم فإن الله ناصركم عليهم بفضله وإحسانه.
وقوله وَكَفى فعل ماض. ولفظ الجلالة فاعل والباء مزيدة فيه لتأكيد الكفاية. ووليا ونصيرا منصوبان على التمييز. وقيل على الحال.
وكرر- سبحانه- الفعل كفى لإلقاء الطمأنينة في قلوب المؤمنين، لأن التكرار في مثل هذا المقام يكون أكثر تأثيرا في القلب، وأشد مبالغة فيما سيق الكلام من أجله.
فكأنه- سبحانه- يقول لهم: اكتفوا بولاية الله ونصرته، وكفاكم الله الولاية والنصرة والمعونة. ومن كان الله كافيه نصره على عدوه فاطمئنوا ولا تخافوا.
ثم ذكر- سبحانه- ألوانا من الأقوال والأعمال القبيحة التي كان اليهود يقولونها ويفعلونها للإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين فقال: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ.
وتحريف الشيء إمالته وتغييره. ومنه قولهم: طاعون يحرف القلوب، أى يميلها ويجعلها على حرف، أى جانب وطرف. وأصله من الحرف يقال: حرف الشيء عن وجهه، صرفه عنه.
والجملة الكريمة بيان للموصول وهو قوله- تعالى- الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ.
ويجوز أن يكون قوله مِنَ الَّذِينَ هادُوا خبر لمبتدأ محذوف. وقوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ صفة له.
أى من الذين هادوا قوم أو فريق من صفاتهم أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه أى يميلونه عن مواضعه، ويجعلون مكانه غيره، ويفسرونه تفسيرا سقيما بعيدا عن الحق والصواب.
قال الفخر الرازي: في كيفية التحريف وجوه:
أحدها: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر. مثل تحريفهم اسم «ربعة» عن موضعه في التوراة بوضعهم «آدم طويل» ، وكتحريفهم الرجم بوضعهم الجلد بدله.
الثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من