للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

َخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ

«١» ومن تمام النعمة أن الله- تعالى- أهلك مع فرعون كل مناصر له:

وقوله تعالى وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أى: أغرقنا آل فرعون وأنتم تشاهدونهم بأعينكم، فكان ذلك أدعى لليقين بهلاك عدوكم، وأبلغ في الشماتة به، وأرجى لشكر النعمة- ولا شك أن مشاهدة المنعم عليه للنعمة فيها لذة كبرى، ورؤيته لهلاك عدوه فيها عبرة عظمى، ومعاينته لانفراق البحر فيها تقوية لإيمانه، وتثبيت ليقينه، إذا كانوا ممن يحسنون الانتفاع بما يشاهدون.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: (اعلم أن هذه الواقعة- أى واقعة فلق البحر- تضمنت نعما كثيرة على بنى إسرائيل في الدين والدنيا، أما نعم الدنيا فمن وجوه:

أولها: أنهم لما اقتربوا من البحر أصبحوا في موقف حرج، لأن فرعون وجنوده من ورائهم والبحر من أمامهم، فإن هم توقفوا أدركهم عدوهم وأهلكهم، وإن هم تقدموا أغرقوا.

فحصل لهم خوف عظيم، جاءهم بعده الفرج بانفلاق البحر وهلاك عدوهم.

ثانيها: أن الله- تعالى- خصهم بهذه النعمة العظيمة والمعجزة الباهرة تكريما ورعاية لهم.

ثالثها: أنهم بإغراق فرعون وآله تخلصوا من العذاب، وتم لهم الأمن والاطمئنان، وذلك نعمة عظمى، لأنهم لو نجوا دون هلاك فرعون لبقي خوفهم على حاله، فقد يعود لتعذيبهم مستقبلا، لأنهم لا يأمنون شره، فلما تم الغرق تم الأمان والاطمئنان لبنى إسرائيل.

أما نعم الدين فمن وجوه:

أولها: أن قوم موسى لما شاهدوا تلك المعجزة الباهرة. زالت عن قلوبهم الشكوك والشبهات، لأن دلالة مثل هذا المعجز على وجود الصانع الحكيم وعلى صدق موسى، تقترب من العلم الضروري.

ثانيها: أنهم لما شاهدوا ذلك صار داعيا لهم على الثبات والانقياد لأوامر نبيهم.

ثالثها: أنهم عرفوا أن الأمور كلها بيد الله، فإنه لا عز في الدنيا أكمل مما كان لفرعون، ولا ذل أشد مما كان لبنى إسرائيل، ثم إن الله- تعالى- في لحظة واحدة جعل العزيز ذليلا، والذليل عزيزا، والقوى ضعيفا، والضعيف قويا، وذلك يوجب انقطاع القلب عن علائق الدنيا، والإقبال كلية على اتباع أوامر الخالق- عز وجل- «٢» .

هذا، ونعمة فرق البحر لبنى إسرائيل، وإنجائهم من عدوهم قد تكرر ذكرها في القرآن،


(١) سورة الذاريات الآية ٤٠.
(٢) تفسير الرازي بتصريف ج ١ ص ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>