للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالآية الكريمة دعوة لليهود إلى الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يطبع الله- تعالى- على قلوبهم ويذهب بنورها فلا تتجه إلى الحق ولا تميل إليه. أو من قبل أن يلعنهم ويطردهم من رحمته ويجعلهم عبرة للمعتبرين.

وأصحاب السبت هم قوم من اليهود حرم الله عليهم الصيد في يوم السبت، فتحايلوا على استحلال ما حرمه الله بحيل قبيحة، فأنزل الله عليهم عذابه، ومسخهم قردة ...

وقد ذكر الله قصتهم بشيء من التفصيل في سورة الأعراف «١» .

وكلمة «أو» في الآية الكريمة لمنع الخلو. فجوز أن يعاقب الله طائفة منهم بعقوبة من هاتين العقوبتين، ويعاقب طائفة أخرى منهم بالعقوبة الثانية إن هم استمروا في ضلالهم وطغيانهم.

والضمير المنصوب في قوله «نلعنهم» يعود لأصحاب الوجوه. أو للذين أوتوا الكتاب على طريقة الالتفات.

وقوله وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أى كان وما زال جميع ما أمر الله به وقضاه نافذا لا محالة لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء:

والجملة الكريمة تذييل قصد به تهديد هؤلاء الضالين المعاندين حتى يثوبوا إلى رشدهم، ويدخلوا في صفوف المؤمنين.

وقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. استئناف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد، ولتأكيد وجوب امتثال الأمر بالإيمان، لأنه لا مغفرة إذا انتفى الإيمان.

والمراد بالشرك هنا: مطلق الكفر فيدخل فيه كفر اليهود دخولا أوليا.

والمعنى: إن الله لا يغفر لكافر مات على كفره، ويغفر ما دون الكفر من الذنوب والمعاصي لمن يشاء أن يغفر له إذا مات من غير توبة. فمن مات من المسلمين بدون توبة من الذنوب التي اقترفها فأمره مفوض إلى الله، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة.

وقوله وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً استئناف مشعر بتعليل عدم غفران الشرك، وزيادة في تشنيع حال المشرك.

أى. ومن يشرك بالله في عبادته غيره من خلقه، فقد ارتكب من الآثام ما لا تتعلق به المغفرة، لأنه بهذا الإشراك قد افترى الكذب العظيم على الله، واقترف الإفك المبين، وفعل أعظم ذنب في الوجود:


(١) راجع كتابنا «بنوا إسرائيل في القرآن والسنة» ج ٢ من ص ٥٢- ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>